رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أوراق مسافرة

قريبًا يتصافح القادة المتنافسون على القتل والدمار، ستجمعهم ساحات المصالح وأروقة الفنادق الفاخرة، تحت مسمى الهدنة والمصالحة واتفاقات السلام «الهش»، وسيتبادلون الابتسام بوجوه ثعلبية أمام الكاميرات، غير عابئين بما تسببوا فيه من آلاف القتلى، اليتامى، الأرامل، المعاقين، والأسر المنكوبة بين أطلال الدمار، وستمتد أياديهم البيضاء المتصلة بنبض قلوبهم السوداء وضمائرهم المتلونة، ليعقدوا اتفاقات إعادة الأعمار، والتى ستمكنهم من نهب ما تصل إليه أيديهم من ثروات البلد المنكوب بعد العدوان والغزو والدمار.

الصراعات المسلحة أو الحرب فى أى مكان بالعالم، مثل بقعة زيت تلوث مياه البحر، حيث تتسع رقعتها لتطول بأذاها حتى من اعتقدوا أنهم بمنأى عنها جغرافيًا، وعندما يقوم من تسببوا فى انتشار بقعة الزيت بتنظيف ما صنعوه، يكون الضرر قد وقع على بشر ليس لهم أى ذنب، تماما كتضرر الأحياء المائية وكل الثروات المائية ببقعة الزيت، دون ذنب أو جريرة، وكما قلت الأسبوع الماضى ما يحدث من روسيا على أوكرانيا هجوم وغزو، وليس حربا بالمفهوم العسكرى الدقيق، وسيدفع ثمنها أيضاً ملايين البشر، ليس فى شرق أوروبا فقط، بل فى غربها، بل وفى العالم كله بما فيه العالم العربى.

وأيا كانت الأسباب المعلنة أو غير المعلنة منها، لا يمكن أبدًا تجاهل أن روسيا تم جرها أمريكيا لهذه الحرب جرًا بصورة أو بأخرى، عبر الاستفزازات التوسعية لحلف الأطلنطى تارة، والإيعاز للاتحاد الأوروبى للتوسع فى عضويته شرق أوروبا تارة أخرى، أمريكا ترغب وبقوة فى هدم الاقتصاد الروسى الذى معالمه تتضح وبقوة مؤخرا خاصة فى الشراكات مع دول أوروبا أو الشرق الأوسط والصين.

وأمريكا كان لديها رغبة قوية فى دفع أوكرانيا للحرب بالوكالة عنها مع روسيا، لتسكت كل الأصوات الأوروبية التى تطالب بالسلام والتعاون المستمر مع روسيا، ومثل هذه الحرب، ستوقف نمو الاقتصاد الروسى بضع سنين، خاصة مع العقوبات التى ستطبق عليها من أمريكا والاتحاد الأوروبى، وستتكبد روسيا خسائر فى القوة العسكرية والعتاد، وهو ما سيقضى على ما قام به بوتين مؤخرا مع الجيش بتحسين ظروف معيشتهم بمعدات وتدريب ورواتب أفضل، ومهما زعم بوتين أنه لن يتأثر اقتصاديا بحربه على أوكرانيا، لأنه مسبقًا بنى اقتصادا مقاوما للعقوبات ومنذ أعوام، بجانب وجود احتياطى نقدى كبير من العملات الأجنبية، فهذا فهذا الزعم الروسى كذب كبير، لأن آثار الحرب ستترك ندبة سوداء وبقوة على الاقتصاد الروسى، خاصة مع استبعادها من نظام سويفت العالمى، وتجميد الأموال الروسية لدى أمريكا، ما أدى إلى تراجع قيمة الروبل الروسى، بجانب الحصار الاقتصادى الذى ستفرضه العقوبات على العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية الروسية بدول الخارج.

ومن كل هذا يتأكد لنا أن أمريكا هى المستفيد الأكبر من الهجوم الروسى على أوكرانيا، ونرصد من ذلك ارتفاع أسعار النفط، تعزيز قوة الدولار، نقل رؤوس الأموال الأوروبية إلى أمريكا، الأمر الذى يعيد مكانة أمريكا مرة أخرى لدى دول العالم خاصة أوروبا، ويرفع معدلات صادراتها من الأسلحة لأوروبا، ما سيزيد من تعزيز النفوذ الأمريكى لدى دول أوروبا، ولن تهتم أمريكا ولا دول أوروبا بأن يدفع العرب أيضاً ثمن هذه الحرب، فالعديد من البلدان العربية تستورد الحبوب خاصة القمح من روسيا وأوكرانيا، ومع فرض العقوبات على روسيا واضطراب الأوضاع فى أوكرانيا، سيتم استيراد القمح من دول أخرى، ولكن بأسعار أعلى، ما سينعكس سلبا على مستويات معيشة الشعوب العربية ويهدد أمنها الغذائى، خاصة إذا امتد أمد الهجمات الروسية دون وضع سقف واضح للأهداف.

أبرياء الشعوب يدفعون الثمن الحقيقى مقابل أطماع سياسية لقادة دولهم، ورغبة فى فرض القوة وإثبات الزعامة، وللأسف لا تعود الشعوب ولا الأرض لتتعافى بثرواتها واقتصادها أبدا كما كانت بعد أن تضع الحرب أوزارها، لأن من دفعوا وسيدفعون ثمنها كثيرون، وسيظلون لعقود طويلة يعيشون تحت شبح الحرب وآثارها المدمرة، والمنتصر أيضاً خاسر.

[email protected]