عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

 

لا أظن أن الذين اعترضوا على اسم مسرحية (المومس الفاضلة) قد سمعوا عن فيلم (الملاك الظالم) الذى قدمته فاتن حمامة عام 1954، كما لا أتخيل أن أصحاب الحملة الحالية ضد الفن المصرى قد شاهدوا فيلم (قبّلنى فى الظلام) لشكرى سرحان وهند رستم فى 1959.

الحق أن المرء يعتريه الحزن لما آل إليه المستوى (الفكري) لبعض الناس فى العقود الأخيرة، بعد أن سطا الإسلام السياسى بمفهومه البائس على مجمل حياتنا الفكرية والإبداعية، فرأينا من يهرع لتمزيق (أفيش) لأن البطلة ترتدى قميص نوم، وشاهدنا من قطع رأس تمثال طه حسين فى المنيا، باعتبار أن التماثيل حرام، كما فوجعنا بهذا المسكين الذى غطى تمثال أم كلثوم فى المنصورة بقطعة قماش، لأن صناعة التماثيل من الكبائر، ولأن السيدة أم كلثوم بلا حجاب!

علينا الاعتراف بصراحة أننا فى تراجع مخيف، وأن حال المجتمع المصرى فى الربع الأول من القرن الحادى والعشرين أسوأ بكثير مما كان عليه الحال قبل مائة عام. وسأذكر لك الآن ما يؤكد ذلك.

فى عشرينيات القرن الماضى عرض يوسف وهبى صاحب فرقة رمسيس ومديرها العام مسرحية (مدمن كوكايين)، فلم يعترض أحد على الاسم بزعم أن النشء سيعرف هذا المخدر الملعون وقد يقبل عليه، لكن لماذا أقدم عشرات الآلاف من الناس على مشاهدة المسرحية واستمتعوا بها ولم يعترضوا أو يتذمروا؟ لأن مصر العشرينيات كانت محتشدة برجال عظام فى المجالات كافة أمثال سعد زغلول ومصطفى النحاس وطلعت حرب وطه حسين وأحمد لطفى السيد وعلى عبدالرازق وأحمد شوقى وحافظ إبراهيم ومحمد التابعى وسيد درويش والقصبجى وزكريا أحمد وأم كلثوم وعبدالوهاب ومحمود مختار وراغب عياد.

وفى سنة 1945 أخرج يوسف وهبى أيضًا فيلمه الجميل (سفير جهنم)، فلم يرتفع صوت مطالبًا بمنع الفيلم بحجة أنه يتناول (الشيطان) فى قالب فنى، وبعد عامين، أى فى 1947 أنجز المخرج حسن الإمام فيلمه (ملائكة فى جهنم) الذى لعب بطولته سراج منير وأمينة رزق وفاتن حمامة، وكالعادة لم يحتج أحد، لماذا؟ لأن مصر فى نهاية الأربعينيات قد عززت عقلها المستنير بعقول أخرى جميلة ومهمة، فهناك نجيب محفوظ وعلى مصطفى مشرفة ومكرم عبيد وعبدالرزاق السنهورى وبيكار ومحمود سعيد ورياض السنباطى ومحمد عبدالمطلب وكارم محمود وحسين رياض وليلى مراد وأنور وجدى وعزيزة أمير ومحمود ذوالفقار ويحيى شاهين وعماد حمدى وعشرات غيرهم.

أما فى الخمسينيات والستينيات فواصل المجتمع المصرى صعوده فكريًا وفنيًا وإبداعيًا، لأن مصر حظيت بوجود كوكبة أخرى من الكبار الذين حرروها من الاحتلال البريطانى وشرعوا فى بناء المصانع والمدارس والسد العالى فرأينا جمال عبدالناصر ومحمود فوزى وعزيز صدقى وصدقى سليمان (وزير للسد العالي)، وتمتعنا بإبداعات إحسان عبدالقدوس ويوسف السباعى وأمين يوسف غراب وعبدالحميد جودة السحار وشادية والمليجى وماجدة ونجاة وفايزة أحمد ووردة وشريفة فاضل وعبدالحليم حافظ ومحمد قنديل ومحمد رشدى ومحرم فؤاد وماهر العطار وعمر الشريف ورشدى أباظة وفريد شوقى وأحمد رمزى وحسن يوسف وصلاح ذوالفقار وبركات وصلاح أبوسيف وكمال الشيخ ويوسف شاهين وفطين عبدالوهاب وصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطى حجازى ومحمد عفيفى مطر ومحمود دياب وسعد الدين وهبة والفريد فرج وميخائيل رومان وسميحة أيوب وسناء جميل وتوفيق الدقن وعبدالمنعم إبراهيم وكمال ياسين وكمال حسين وحمدى غيث وكرم مطاوع وسعد أردش وجمال السجينى وعبدالهادى الجزار وغيرهم عشرات.

وجاءت السبعينيات وبدأت رحلة الانحدار السريع عامًا وراء عام، فطالت اللحى وغطت النساء شعرهن، وحرّموا الفنون وقتلوا فرج فودة وطعنوا نجيب محفوظ.

يا خسارة يا مصر، فما أبعد المسافة بين (الملاك الظالم)، و(المومس الفاضلة)!