عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

الاعتقاد بأن الماضى زمن فات وانتهى أمر خاطئ.. فالماضى فى حقيقة الأمر يعمل عمله فى القائم ويعمل عمله فى المستقبل أيضا.. فالماضى هو القوة الدافعة للمستقبل وقطع الصلة بالماضى يعد وهما كبيرا.. فمن المستحيل أن تقطع وشائج الماضى من التاريخ سواء الشخصى أو المجتمعى.. بل يمكن أن ادعى القول إنه عندما أعرف ماضيك يمكن لى أن أتوقع مستقبلك، أظن أن ذلك صحيح إلى حد كبير، معرفة الماضى بشكل جيد تمكننا من التنبؤ أو التوقع لما قد يحدث فى المستقبل.. والسؤال الذى يمكن أن يقفز هنا: لماذا الحنين الدائم إلى الماضى؟ أو لنقل لماذا تتجه الأبصار كثيرا للماضى فى بعض الأحيان؟

لقد قمت بتعديل السؤال لسبب، لأن القول بالحنين الدائم للماضى يعنى انعدام الأمل فى المستقبل.. ويعنى جدب الحاضر بالنسبة للذات، ويعنى فقدان الإمكانات لتحقيق المنشود ويعنى كف الذات عن التفكير فى المستقبل والمرتجى والمأمول، وتلك لحظة غير مرغوب فيها. سواء على المستوى الشخصى أو المستوى المجتمعى.. لماذا الحنين للماضى؟ فى الماضى يمكن للذات أن تنظر بشكل أكثر دقة وأكثر تأملا للأحداث فالفعل أو الحدث مكتمل الأركان أو تم اكتماله ومن ثم يمكن تقييمه ويمكن تقليبه على عدة أوجه أو يمكن القول بلغة الفلسفة يمكن تفكيكه وتركيبه فالماضى تملكنا ونمتلكه.. نقول تملكنا ونمتلكه ولا نقول يقيدنا، فالفرق كبير بين أن نمتلك الشىء وأن يقيدنا الشىء.. الحنين للماضى هو فرصة لإعادة التقييم لنرى ما الذى حدث وما الذى كان ينبغى أن يحدث وما الأخطاء وهل يمكن أن نتلاشى أخطاء الماضى؟

الحنين للماضى.. سنجده يكشف لنا الحقائق أو نقول سقوط الأقنعة، لقد اكتملت الأحداث ومن ثم سقط عنها كل قناع كان يغلفها وتتبدى الحقائق كما هى بلا مواربة..الحنين للماضى هو فرصة الذات لكى ترى الأشياء على حقيقتها، فالكثير من القداسة والتبجيل لأشياء مع الوقت نكتشف أنها أوهام وخداع وأن الذات أخطأت يوم أعطت لمثل تلك الأشياء أو الأشخاص كل ذلك التقدير أو التبجيل أو القداسة. إن الذات تقف وجها لوجه أمام الحقائق، وقد تجد الذات أيضا كم الخطأ الذى ارتكبته فى حق أشياء وأشخاص كان لهم من أهمية وتقدير، وهو مالم تدركه الذات آنذاك، وقد يكون الحنين للماضى لأنه يحمل الكثير من الآمال والأحلام، إنه واحة خصبة للذات تهرب إليها النفس من واقعها المجدب والمقفر والذى لم يحقق المنشود.

يلاحظ أن الماضى أيضا ينعدم فيه الحساب.. فلا أحد يحاسبك على ما قد مضى، حتى ذلك الشخص الذى يخطىء فإنه يتلقى الجزاء.. لكن بعد ذلك ينتهى الحساب.. ربما يبقى الحساب النفسى وآثاره النفسية باقية ربما، إذًا الماضى دخل إلى رحلة المطلق.. فكر فيه كما شئت، لقد دخل منطقة الحرية المطلقة، لكن ينبغى أن نلاحظ أن السفر المستمر إلى الماضى هو نوع من الهروب ومعناه أن الذات أصبحت غير قادرة على مواجهة الواقع المعاش.. إذًا فى الماضى نجد ما هو إيجابى ونجد ما هو سلبى أيضا..المهم هو الوعى بالقضية وتلك لحظة هامة للوقوف على الحقائق.

أستاذ الفلسفة وعلم الجمال