عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بهدوء

 

 

 

استطاع الفقه أن يحول الإسلام إلى طقوس وشعائر تختص بأعمال الجوارح لا أحوال القلوب، وقد اتسعت دائرة الفقه نتيجة تطور المجتمع الإسلامى عبر التاريخ واتسعت معه دائرة الحلال والحرام والمباح والمكروه ليشكل الفقه قوة ضاغطة على تطور حركة المجتمع، وقد صور الفقه الإله على أنه إله قاهر قامع للرغبات والنوازع والطبيعة، ونظر الفقهاء إلى أنفسهم على أنهم الموقعون عن الإله فى الأرض بحق الفتوى والتشريع، وأنهم وحدهم من يملكون حق الرقابة على أرواح البشر، وضبط جوارحهم وحركاتهم وسكناتهم، وكان ابن القيم دقيقًا حين عنون كتابه بـ (إعلام الموقعين عن رب العالمين).

وقدم الفقه الإسلام للناس بوصفه أداة التشريع، وعلمهم كيف يسلكون سلوك الإيمان لكنه لم يوجههم إلى إدراك حقيقة الإيمان فركز على أعمال الظاهر دون أحوال الباطن، وأفعال الجوارح دون أحوال القلوب، وقدم الخطاب الدينى المعاصر الإسلام عبر تراثه الفقهي– وليس تراثه الصوفي- فشكل الإسلام أداة ضبط للإنسان والمجتمع، ولم يشكل الإسلام طريقًا لبناء الروح والخلق للإنسان، وقَدم الفقه الإسلام كممارسة دينية جماعية ولم يقدمه كتجربة دينية فردية تؤسس لعلاقة خاصة بين العبد وربه، فنفر قطاع من الناس من الإسلام كدين يقوم على الترهيب لا الترغيب دين ينصب جهنم والنار فى كل شيء، ولم يقدموه كدين للرحمة والمغفرة، دين للقتال والعنف لا دين للمحبة والتسامح.

كان الأولى بالخطاب الدينى المعاصر أن يقدم الإسلام بمذاق التصوف الوجدانى الذى يقيم علاقة خاصة ورحبة بين الله والإنسان فالتصوف يدعو إلى استحضار الله فى كل شيء فى علاقة الإنسان بربه، واستحضاره فى قلبه بالذكر والشكر، ويقيم التصوف العلاقة بين الله والإنسان على المحبة فينظر الإنسان إلى الله بوصفه المحبوب الخالق الرحيم الغفور الودود السميع العليم المجيب التواب فتنساب الصلة بين الله والإنسان باعتبار حضور الله دومًا وأبدًا فى قلب الإنسان والمطلوب من الإنسان فى علاقته بالله أن يجلو قلبه بالتخلية، وذلك بالابتعاد عن المعاصى والذنوب والتعلق بالدنيا والشهوة والهوى ثم التحلية بعد ذلك بذكر الله المستمر، الذى ينتقل من اللسان إلى القلب، ومن القلب إلى اللسان، وعبادة الله فى كل وقت وحين بالتأمل والتفكر والتدبر فيكون الإنسان كمدينة منيرة مصدر إنارتها القلب فيعبد الإنسان ربه ليس لمجرد الإيمان، ولكن بالإحسان والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

وركز التصوف على بناء الفرد وتربيته من الناحيتين الروحية والأخلاقية فالفرد هو اللبنة الأساسية للمجتمع، ومتى قوى الفرد من الناحية الروحية والأخلاقية قوى المجتمع ككل، فالتكوين الأخلاقى والروحى للفرد هو الرأسمال الذى يسعى التصوف إلى بنائه مركزًا فى ذلك على تجاوز مثالب الإسلام الفقهى الذى يركز على أعمال الظاهر وينسى أنها مؤسسة على حالة الباطن، ويركز على أعمال الجوارح وينسى أحوال القلوب التى هى أساس لأعمال الجوارح، وإذا كان الفقه يسعى إلى ضبط البرانى والخارجى فإن التصوف يركز على طهارة الجوانى والداخلى فيطهر النفس من الحسد والحقد والبغض والكراهية وكل أخلاق دنية ويسعى إلى ترسيخ الأخلاق السنية كالمحبة والصدق والإخلاص والتسامح، ويسعى الفقه إلى محاسبة الناس على الظاهر ولكن التصوف يركز على مراقبة أحوال الباطن.

الإسلام حين نقدمه للناس بمذاقه الصوفى إنما نعيد له دوره فى بناء الفرد وتكوين الشخصية فى بعديها الأخلاقى والروحى الذى يكون ركيزة أساسية كرأسمال للمجتمع ككل، وبالتالى فإننا حين نقدم للناس الإسلام بمذاقه الصوفى نعيدهم إليه باعتبار أن دينهم دين للمحبة والتطهر والسمو دين للارتقاء بالروح وليس فقط لضبط حركات الجسد وممارسة الطقوس الدينية الظاهرية.