رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

استيقظت قبل الموعد بساعة، أعلم مسبقا أن الطريق لن يستغرق هذا الوقت بالجانب الآخر من المدينة، كان المصعد يعمل بكفاءة عالية، وتفوح منه رائحة سائل تنظيف معطر، صادفنى بداخله بعض الجيران بوجه بشوش، بعد التحية كان الحديث العابر المعتاد عن حالة الطقس اليوم، لا يوجد سوى هذا الحديث يتجاذبه الجيران داخل المصعد، أو بمدخل العمارة الفاخرة كرقى كل البنايات، والمؤمنة بكاميرات المراقبة، ليس لديهم هما آخر يتحدثون عنه، كارتفاع الأسعار وعدم كفاية الدخل، أو سوء الخدمات الصحية، أو الزحام بالمصالح الرسمية، أو معاناة الدروس الخصوصية.

الحياة والخدمات تدار بصورة بارعة ومتقنة، لوجود رقابة صارمة وسياسة الثواب والعقاب لحماية المواطنين والمال العام، خدمات يحيطها الرفاهية، كانت محطة الترام على بعد امتار قليلة من الحى، وأمامها محطة الأتوبيس، وقفت حائرة للحظات، استقل هذا أو ذاك، كلاهما لا يفرق فى السعر، ولا فى عدم الزحام، أو اختلاف فى دقة المواعيد، أى وسيلة نقل عام تأتى كل ربع ساعة، لذا لا تكدس ولا زحام، باستثناء بعض أوقات الأعياد أو الخروج للشواطئ.

اخترت الترام لأنى لا أحب كثيرا «هدهدة» الأتوبيس ساعة الصباح، رغم أن الشوارع ممهدة كالحرير، فلا مطب ارتفاعه غير قانونى يقلقل الركاب ويزعج المسنين أو يهدد جنين سيدة حامل، ولا « بالوعة» مجارى مفتوحة تنغرس بها عجلات الأتوبيس، ولا زحام يعطله فى إشارة مرور نصف ساعة أو اكثر، ولا ابواق سيارات «على الفاضى والمليان» القانون يحظرها ويغرم من يستخدمها، رغم كل مزايا الأتوبيس استقللت الترام، مررت اشتراك المواصلات العامة الخاص بى -والذى يصلح لكل وسائل النقل- أمام جهاز إلكترونى صغير موجود على جانب كل باب من عربات المترو، ليسجل بداية المسافة التى سأقطعها حتى أصل إلى المكان الذى أقصده، والمقابل المالى لها كثمن للتذكرة المفترضة.

لم تستغرق المسافة سوى عشر دقائق، وقبل نزولى من المترو، مررت بطاقة الاشتراك مرة أخرى أمام الجهاز، وبذلك تم خصم قيمة المسافة بصورة إلكترونية من الاشتراك، على المحطة يقف بضعة رجال من شرطة النقل والمواصلات، قد يطلبون من المواطن الاطلاع على الاشتراك، والكشف بجهاز صغير دقيق معهم ما اذا كان الشخص قام بنفسه بخصم قيمة التذكرة المستحقة من عدمه، وإذا ثبت «تزويغ» احدهم تكون الغرامة باهظة، فلا «تهريج» ولا تسيب مع سرقة المال العام، العقوبات رادعة لتهذيب الفهلوية والمخالفين.

وصلت إلى المصلحة الحكومية، لتجديد جواز السفر، البناية ضخمة، راقية، نظيفة، اكثر من مكتب لقضاء الخدمة، بعضها مخصص لكبار السن، وآخر لذوى الاحتياجات الخاصة، سحبت ورقة برقم، جلست فى البهو الراقى فى انتظار دورى، الموظفون يرتدون زيا موحدا وأنيقا، وعلى صدر كل منهم دبوس ذهبى به اسمه، حان دورى، لم تستغرق العملية سوى دقائق، بياناتى كلها محدثة ومسجلة على الكمبيوتر، فلم اقدم سوى جواز سفرى القديم، وصور حديثة، فجواز السفر مدته 10 سنوات.

سألتنى الموظفة إن كنت أريده «مستعجل»، لأدفع فرق التكلفة وأستلمه فى اليوم التالى، ففضلت العادى توفيرا لأستلمه بعد ثلاثة أيام، اكتشفت انى نسيت فيزا الدفع، فدفعت كاش، لم يكن معها فكة للباقى، وضعت الورقة المالية فى جهاز زجاجى، ضغطت على «زر»، انزلق الجهاز إلى قلب المكتب، ثم عاد بعد لحظات وبه باقى المبلغ، فلم ألف المكان بحثا عن فكة، أو أضطر لترك الباقى لها لأخلص نفسى، أو لشراء أى شيء من «كشك» ما لأفك، فلا يوجد كشك، بل يوجد أجهزة إلكترونية داخل البهو، لتقديم شاى وقهوة بمبلغ رمزى للراغبين.

غادرت المبنى، عرجت إلى السوبر ماركت، اشتريت احتياجاتى، عدت لبيتى، ولم تفارقنى الابتسامة، ولا شعورى بالراحة الذى غادرت به البيت، لم يستغرق كل هذا ساعتين، صنعت فنجانا من القهوة وجلست أشاهد نشرة الأخبار، أعضاء البرلمان عن حزب الخضر المعنى بالبيئة، يطالب بإقالة وزير البيئة المنتمى له، لتأخره فى تنفيذ برنامج لحماية المحميات الطبيعية، بل يطالب الحزب بإقالة الحكومة كلها وتشكيل حكومة ائتلافية جديدة، و...

دق جرس المنبه، نهضت مفزوعة، نظرت حولى، أين أنا... فى مصر أم فى هولندا التى يحدث بها كل ما رويته، استجمعت قوتى وأنا استيقظ مع الفجر، عسى أن يسعنى باقى اليوم والجهد والأعصاب لأنجز، كان عليّ التوجه لمصلحة حكومية لقضاء بعض الأوراق، ليس حلما مستحيلا أن أرى كل هذا فى بلدى الحبيب، فشعبها الصابر يستحق هذه الحياة...!

[email protected]