رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أشرنا فى مقالنا السابق إلى المصير الذى آلت إليه معظم المشاريع الفكرية الحداثية فى مصر، ويبقى السؤال: لماذا أخفقت المشاريع الفكرية التى انتعشت فى بدايات القرن العشرين، ولماذا أصاب العقم والتكلس حياتنا الإبداعية، واتسعت الفجوة بين الجماهير وبين النخب السياسية والثقافية، ولم نعد نشهد ذلك الزخم الفكرى والثقافى والسياسى الذى شهدته مصر خلال الأربعينيات من القرن الماضى؟

لا ريب أن هناك متغيرات سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية أدت إلى إخفاق وتراجع وغياب المشاريع الفكرية، يأتى فى مقدمة هذه المتغيرات هزيمة 1967، وما ترتب عليها من انهيار المشروع القومى الناصرى، والذى أصاب النخبة الحاكمة بحالة أشبه بما يسمونه فى التحليل النفسى بالجرح النرجسى، أما الجماهير التى آمنت بعبد الناصر ورفعته إلى مستوى الأسطورة، فقد أصيبت بنوع من اليأس العميق، وعندما تولى الرئيس أنور السادات السلطة عام 1970 تقمص دور الرئيس المؤمن أو الخليفة الإسلامى العصرى، لذلك سعى منذ بداية حكمة إلى أسلمة مؤسسات الدولة وخضوعها لوصاية رجال الدين، وأسلمة الفضاء العام، بل وساعد بشكل مباشر وغير مباشر على تنشيط ما سُمى آنذاك بالصحوة الإسلامية، وبالفعل نجح السادات فى محاصرة وخنق القوى القومية واليسارية، ولكن كانت نهايته الدامية والمأساوية على أيدى تلك الجماعات المارقة التى قام بخلقها ورعايتها!

ولم يتغير الوضع كثيرًا فى عهد الرئيس حسنى مبارك الذى ارتضى بتقاسم السلطة مع الإخوان والسلفيين بصورة غير معلنة، وجعل من الإخوان فزاعة يخيف بها كل من تسول له نفسه مهاجمته أو مهاجمة أبنائه وحاشيته، ما جعل المصريين يعتقدون بأنه لم يعد لديهم خيار سوى مبارك أو الإخوان.

وبينما كان مبارك مشغولًا هو وأبناؤه وحاشيته بنهب أموال المصريين وبناء القصور والمنتجعات، وتهيئة المناخ لتوريث جمال مبارك، كان الإخوان يسيطرون على الشارع والنقابات والمدارس والجامعات والمساجد، بل ونجحوا فى اختراق المؤسسات السيادية كالإعلام والشرطة والأوقاف والأزهر، ولذلك كان من السهل جدًّا على هذا الفصيل الذى استحوذ على الشارع مستخدما الدين والمال والتنظيم أن يكون البديل الجاهز للقفز على السلطة عندما سقط نظام مبارك. إذ لم يكن هناك البديل الذى يشغل هذا الفراغ الشاغر سوى تلك التيارات الأصولية التى بدت وكأنها جاهزة ومألوفة ومقبولة بالنسبة لجماهير محرومة ومكبوتة ومتعطشة للتغيير ومتطلعة إلى مُخلص أو مُنقذ يُخرجها من يأسها وبؤسها ومن إحساسها المفرط بالانسحاق، وقد وجدت هذه الجماهير المغيبة والضالة والبائسة فى جماعات الإسلام ملاذًا يحميها من قلقها ويمنحها أملًا ووعدًا فى أن «الإسلام هو الحل» تلك الصيغة السحرية البسيطة المريحة التى لعبت دورًا تنويميًّا وسحريًّا فى نشر ثقافة الإسلام السياسى خاصة بين صفوف البسطاء وقطاعات البرجوازية الصغيرة.

ورغم أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قد نجح فى إنقاذ مصر فى 30 يونيو من الوضع الكارثى لحكم الإخوان، إلا أن المشكلة التى ما زالت تواجه النظام السياسى الحالى هى تغلغل الإخوان والسلفيين فى مفاصل أجهزة الدولة، فضلًا عن أن العقل الجمعى المصرى قد تأدلج بطريقة لاهوتية وسكنته تقاليد السلفية الوهابية – الداعشية ولذلك لابد من تعزيز ثقافة المواطنة، وتطهير الخطابات التعليمية والثقافية والإعلامية والدستورية والقانونية من الخضوع لسلطة الكهنوت الدينى أو لوصاية رجال الدين.

من جانب آخر، فإن أغلب الأحزاب التى تتواجد على الساحة الآن، ربما تتطابق فى أفكارها وبرامجها، لذلك فإن الليبرالية المصرية تعانى من أزمة حقيقية، لأنها ليبرالية فقيرة وغير ناجحة، لماذا؟ لأنها ببساطة تساوى وتوحد بين الليبرالية والرأسمالية، فنحن – للأسف – نأخذ من الليبرالية أسوأ ما فيها وهو الحرية الاقتصادية، أما بقية المبادئ والأسس التى تقوم عليها الليبرالية فغائبة أو على الأقل مهمشة، فالأحزاب المصرية التى تدعى أنها ليبرالية لا تستطيع أن تقر بمبدأ حرية الاعتقاد، وحرية الانتقال من ديانة إلى أخرى، والأحزاب الليبرالية ذات النسخة العربية لا تحترم الحرية الفردية، ولا ترحب بالفردانية، لأن الفرد غير موجود أساسًا فى ثقافة تجعل من الإجماع قاعدة شرعية وفقهية، وتضحى بالفرد على مذبح الجماعة! الأحزاب الليبرالية العربية لا تعترف بالعلمانية وتعتبرها كفرًا وإلحادًا!

لكل هذه الأسباب فشلت الليبرالية فى مصر وفى معظم الدول العربية وأصبح لدينا أحزاب تدعى كذبًا أنها ليبرالية، وهى فى حقيقتها قومية – دينية أو رأسمالية متخلفة لأنها لا تفهم من الليبرالية سوى وجهها الاقتصادى الساذج الذى يقوم على مبدأ: «دعه يعمل.. دعه يمر».

إن الرأسمالية المصرية التى تورطت فى التحالف مع الأصوليات الدينية منذ عهد السادات وحتى الآن، لا تستطيع أن تؤسس ليبرالية حقيقية دون التحرر السياسى، والذى يعنى التخلى عن مبدأ الغلبة الذى يُشكل فهمنا القاصر للديمقراطية، والأخذ بمبدأ التعددية واحترام حقوق الأقلية، والنظر إلى حرية الإنسان الفردى على أنها حرية مقدسة لا يجب المساس بها أو انتهاكها أو الاعتداء عليها.