رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حين كتب «كارل يونج» الطبيب النفسى الشهير وأحد تلاميذ «سيجموند فرويد» عن «العقل الجمعى» للإنسان كان يقصد أن هناك ضميرًا ووعيًا لدينا جميعًا يعود إلى عصور ما قبل التاريخ يجعل الإنسان يخشى الظلام ويخاف النار حتى دون أن يخوض أى تجربة أليمة، وهذا هو معنى «العقل الجمعى» للمصريين اليوم الذى جعلنا صغارًا وكبارًا نطرب ونشجو ونشعر بكل كلمة فرعونية وكل لحن جنائزى عزفته الأوركسترا السيمفونى المصرية العظيمة، فهذا اللحن العبقرى للملحن المصرى «هشام نزيه» وقائد الأوركسترا «نادر عباس» والمراجعة التاريخية لنصوص الألحان الدكتور«ميسرة عبد الله حسين»..

ما كانت جميعها إلا استرجاعًا وإعادة لحياة سابقة ولحظات من زمن ماض قد عاشها المصريون فى زمن الأجداد العظام وها هم يحيون الألحان والكلمات والمشاعر والصحوة والنخوة والانتماء من جديد حين توحدوا جميعًا مع الحالة الكبرى وهذا الموكب المهيب لاستعادة الهوية المصرية والأمجاد وحب الحياة والإيمان بالبعث والخلود والحساب والعقاب، وأيضًا إحياء الفن والجمال والرقص والغناء والتبتل إلى الإله كل هذا ما هو إلا لحظة لاستعادة ولإحياء الروح المصرية القديمة من مرقدها ومن تابوت الماضى والجهل والتخلف والفوضى حتى تسكن الروح القوية التى أبدعت تلك الحضارة الخالدة مرة أخرى فى نفوس المصريين الذين أرهقتهم السنون وطمست على قلوبهم وأرواحهم أرذال عصاة وبغاة وغزاة حاولوا إطفاء جذوة وشعلة تلك الروح المصرية القديمة التى كانت هى فجر الضمير الإنسانى.

وعودة الروح ليس فقط من خلال علوم التحنيط التى أبقت على الجسد لا يبلى بعد مرور آلاف السنين ولا هى تلك الروح التى بنت وشيدت الأهرامات الخالدة والشاهدة على العصور والدهور فى شموخ وكبرياء يعجز عنه أعظم معمارى العالم الحديث، ولا هى فقط تلك الروح التى أنشأت حضارة الوادى والزراعة والسدود والمحاصيل وكافة أنواع العلوم المتعلقة بالحصاد والحرث والتخزين ولا هى تلك الروح التى وحدت القطرين وأقامت الحضارة وعلت وحفرت المعابد والنقوش ونحتت من الصخر تماثيل عظام لملكات وملوك حكمًا جنبًا إلى جنب، ولا هى تلك الروح التى كانت أول من آمن بالإله الواحد القهار حين كانت القبائل تعبد «الحيوان» و«الجن» و«الزرع» و«الصخر».

وحين جاء الملك «أمنحوتب الرابع» الملقب بـ«إخناتون» وبدأ ثورته الدينية التى دعت إلى رسالة التوحيد وجعل القوة الكامنة فى الشمس هى رمزًا للإله الواحد فكانت الأنشودة الدينية «أنت الذى يعطى النفس ليحفظ حياة كل من يخلقهم... أنت الإله الأوحد لا شريك لك فى الملك»... هذه الروح الأصيلة ليست هى فقط التى سوف تعود مع هذا الحدث العالمى المصرى المهيب ولكنها أيضًا روح «إيزيس» التى سوف تلد النهار والفجر الجديد بعد أن تلملم أشلاء زوجها «أوزوريس» وتحمل منه لتنجب رمز الحياة الجديدة فهى عين «رع» الإله القوى العظيم وترنيمة الحياة والبعث والخلود لإيزيس.

إن هذا الموكب الملكى الذهبى للمومياوات وهذا الاحتفال الكبير فى مصر لم يكن فقط من أجل السياحة والآثار ولم يكن فقط لأجل الترويج والتصوير لتاريخ مصر الحديث وحاضرها العظيم ولم يكن للإعلان عن عظمة وجلال الحاضر وروعته فى التنظيم والإخراج والتصوير والأوركسترا والمتحف والتاريخ والغناء والتفاصيل التى جعلت مصر من جديد فى عيون العالم مع وجود الرئيس الذى يعمل فى صمت وكبرياء من أجل بناء مصر الحديثة.

إنه احتفال «إيزيس» بعودة الروح إلى الجسد المصرى العليل روح الأجداد بكل ما أنجزوه من علم ومن معمار وكفاح وإيمان وأدب وأخلاق... إنها عودة روح الخلود والإنسانية والميلاد انبعثت من بين رفات مومياوات الماضى لتعود إلى عقول وقلوب وأجساد أحفاد الحاضر... عودة الروح للمصريين.