عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

وسط زحمة التطبيع العربى مع إسرائيل التى وصلت حد الفوضى واحتقار التاريخ وإهانة الجغرافيا، قد يكون من الصعب على الكثير منا أن يقف ويتأمل ويحاول الفهم. وإن كنت سآخذ على عاتقى فعل ذلك، فالمؤكد أنها عملية أشبه بإصرار مريض على السباحة فى حوض جاف.. إسرائيل كفكرة لكيان مصطنع اعتمدت من البداية على التاريخ بتزييفه وعلى الجغرافيا بسرقتها أو اغتصابها.. الأوروبيون كسروا محمد على وعطلوا عجلة طموحاته بمعاهدة عام 1840 التى اختزلت دولته داخل حدوده فى مصر.

فى ذلك الوقت ظهر التاجر اليهودى الواعى بأصول أسواق السياسة ومطامع الأمم، ولعب هذا الدور البارون اليهودى الثرى روتشيلد الذى أسهم فى تشكيل مستقبل الشعب اليهودى، وهو أول من بدأ وأسرته عمليات الاستيطان فى فلسطين بداية من عام 1882، وليست صدفة أنه نفس العام الذى احتلت فيه بريطانيا مصر.. مراسلات كثيرة تمت بين روتشيلد ورئيس وزراء بريطانيا اللورد بالمرستون، خاصة بعد توقيع معاهدة 1840 التى قصمت ظهر محمد على.. لم يكن البارون روتشيلد مجرد ثرى يهودى وإنما كان ملمًا بالتاريخ ومناورًا ذكيًا وتعامل مع بالمرستون بنوع من الغواية حين عرض عليه تمكين اليهود من الهجرة إلى فلسطين وإقامة حزام من المستوطنات التى تعرقل على الأقل الحركة بين مصر والشام.

كان روتشيلد على يقين بأن أطماع بريطانيا العظمى وفرنسا لا يعوقها بالمنطقة إلا القوة المصرية التى تتمدد نحو الشرق محمولة على المشترك الدينى واللغوى والتاريخى بينها وبين الشام تحديدًا (فلسطين وسوريا والأردن ولبنان) وإلى نص رسالة البارون روتشيلد إلى اللورد بالمرستون رئيس الوزراء البريطانى فى مارس عام 1841 (إن هزيمة محمد على وحصر نفوذه فى مصر ليست كافية، لأن هناك قوة جذب متبادلة بين العرب، وهم يدركون أن عودة مجدهم القديم مرهونة بإمكانيات اتصالهم واتحادهم. إننا لو نظرنا إلى خريطة هذه البقعة من الأرض سنجد أن فلسطين هى الجسر الذى يوصل بين مصر وبقية العرب فى آسيا، والحل الوحيد هو زرع قوة مختلفة على هذا الجسر لتكون بمثابة حاجز يمنع الخطر العربى ويحول دونه. وبالهجرة اليهودية إلى فلسطين نستطيع نحن اليهود أن نقوم بهذا الدور، وليست تلك خدمة لليهود يعودون بها إلى أرض الميعاد مصداقًا للعهد القديم فقط، ولكنها أيضاً خدمة للإمبراطورية البريطانية ومخططاتها، وليس مما يخدم الإمبراطورية البريطانية أن تتكرر تجربة محمد على سواء بقيام دولة قوية فى مصر، أو بقيام اتصال بين مصر والعرب الآخرين).

وبعد ما يقرب من قرنين من رسالة الثرى اليهودى البارون روتشيلد إلى رئيس الوزراء البريطانى اللورد بالمرستون، حدث خلالهما ما حدث من حروب وشجون، وأصبحت إسرائيل هى إسرائيل التى نعرفها اليوم، هرول- وفى أسابيع قليلة مضت- أثرىاء العرب قبل فقرائهم يلتمسون الأمان من آخر نظام عنصرى بغيض فى العالم.. روتشيلد وضع ثروته وعقلة لخدمة مشروع استمر التأسيس له من 1840 إلى 1947، أما العرب فخلال نصف قرن (1970 – 2020) كانوا قد خسروا كل شىء، وتنازلوا عن كل شىء، وفتحوا خزائن ثروتهم للهو السياسى وغير السياسى.. أهدر من يملكون الثروة كل مواردهم فى أفراح كاذبة، وعنتريات طفوليه، وأهدر أحياناً من لا يملكون ثروة الطبيعة والمال واجب أن يتمسكوا بمواقعهم ويصبروا على شرف الموقف رغم عناء الصبر.

من أسوأ الأقدار أن تعرض أمة بكاملها تاريخها ومقدراتها للبيع بالمزاد، وأن يشارك من يعتلون العروش فى الترويج للصفقات غير مدركين أن ما تبقى لديهم للبيع ليس سوى المستقبل وهو موضوع صفقة البيع الآن. أتصور- وإن لم يكن فأتمنى- أن الدولة المصرية على وعى بخطورة المصائر لو استمرت ظاهرة الانتحار الجماعى بدوافع من الذعر غير المبرر. ورغم ذلك وبكل المعايير ستظل مصر البلد العصي على إسرائيل، والقادر على تعطيل القطار العربى المندفع تجاه تل أبيب، وكأن كثيرين لا يرون غضاضة فى أن يولوا وجوههم شطر «قبلة» جديدة فى تل أبيب على بعد خطوات من «المسجد الأقصى» أولى القبلتين وثالث الحرمين.