رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

قبل أن تقرأ.. ربما لا تلمس أن فى سطور هذا المقال جديدا، أى جديد، وربما تتصور أنه اجترار لكلام فات قاله صاحبه وقاله آخرون من قبل. وحتى لو صح تصورك - وقد لا يكون صحيحا تماما - فإن ما يبرره أنه قد يكون اعادة تذكير بقضية بالغة الحيوية والأهمية تكاد أن تشغلنا عنها قضايا تافهة وأخرى غير جوهرية. فقد مضى علينا بعض الوقت الذى كاد أن يختفى معه الحديث عن أزمة سد النهضة، بعد أن أخفقت آخر مفاوضات فى 28 أغسطس الماضى كانت تتم على غير علانية تامة.

ورغم حرص الرئيس السيسى على عدم ترك مناسبة، محلية أو دولية، إلا وأكد خلالها حيوية قضية المياه وموقع سد النهضة من التأثير السلبى عليها لمصر والمصريين، إلا أن الانطباع الذى يمكن أن يتولد لدى أى مهتم بالقضية من قريب أو من بعيد، أنها دخلت مرحلة الهدوء أو الكمون، وربما يكون سبب ذلك منطقيا ووجيها باعتبار أنها فى منظور البعض قد تكون مؤجلة لحين بدء الملء الثانى للسد فى الصيف المقبل رغم ان تلك قد تكون وجهة نظر قاصرة. والأكثر أهمية أن هذا الهدوء ربما لن يعقبه، كما هو متصور وطبيعى فى مسيرة منطق الأزمات، أو أى توترات، فليس ذلك الهدوء المتعلق بأزمة سد النهضة هو نوع الهدوء الذى يمكن أن يعقبه عاصفة أو يسبق العاصفة، وهو أمر يعود إلى أن مصر حسمت أمرها لجهة التسوية السلمية للأزمة والتمسك بسياسة النفس الطويل حتى آخر نفس!

ورغم أن ذلك قد يجعلك تنتهى إلى أنه ما أشبه الليلة بالبارحة، وأن الانصراف عن متابعة الأزمة ومعرفة مساراتها ربما يكون خير سبيل باعتبار أنه لن يفوتك الكثير بهذا الموقف، إلا أن وجه الغرابة ومثار الدهشة أن الأمور لا تسير على ذات الوتيرة لدى الطرف الآخر، ما يزيد الشعور لدى أى متأمل للأزمة بوجود أمر ما غامض أو غير واضح ليس هناك مجال لتفسيره بالتحليل ودون الاعتماد على معلومات حقيقية تفسر لنا الأمر.

فالطرف الإثيوبى يعمل على قدم وساق، ليلا ونهارا من أجل إنجاز السد حتى أنه يحسب مراحل الإنجاز بنسب ولو بسيطة ويتيه بها فخرا، ويستعد على لسان أكبر رأس هناك، رئيسة البلاد، لعمليات من المفترض أن تتم ولو بعد شهور مثل الملء الثانى والذى ليس وقته الآن بأى حال من الأحوال، فيما الطرف الثانى مصر بالأساس - اذا استبعدنا السودان الذى من الصعب تحديد موقف محدد له - يتعامل بكل ثقة وأريحية يحسد عليها وكأنه تطلع على الأزمة ونتائجها من «عل» ويرى ما ستؤول اليه ويطمئنه رأى العين. ويزداد شعورك بالغرابة فى ضوء أنه رغم أن ذلك الموقف المصرى والذى من المفترض أن يطمئن الآخر، إلا أنه يزيده عدم شعور بالراحة والقلق الذى ينعكس فى سلوك متوتر، وإلا بماذا تفسر لى قرار أديس أبابا حظر الطيران فوق منطقة السد، وكذا تأكيدات قائد القوات الجوية الإثيوبى بأن بلاده مستعدة تماما للدفاع عن السد من أى هجوم، رغم أن مصر لم تلوح من قريب أو من بعيد أو على لسان أى مسئوليها بدءا من الرئيس وانتهاء بأصغر مسئول فى الخارجية المصرية بأن الخيار العسكرى على قائمة الخيارات!

وفيما تصدر اشارات أخرى متناقضة من الطرف الإثيوبى ومن بينها تحرك مفاجئ فى البرلمان الإثيوبى لمناقشة مشروع قرار يطالب الحكومة الإثيوبية باتخاذ موقف عادل فى مفاوضات سد النهضة بما يحفظ حقوق كل من إثيوبيا والسودان ومصر، فإنه ما يثير التساؤلات بشأن حقيقة أبعاد الموقف الإثيوبى ما أشار إليه وزير الرى المصرى فى أحدث تصريحات له أمس الأول خلال افتتاح أسبوع المياه بشأن تعنت إثيوبيا فى التوصل إلى الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة رغم ما تقدمه مصر من دعم لشواغل الجانب الاثيوبى حسب كلام الوزير.

وإذا كانت الأزمة مليئة بالغموض، فإنه مما يزيدها غموضا الجانب المتعلق بالمفاوضات واستئنافها، ذلك أنه وسط استبعاد الحلول غير السلمية تبقى المفاوضات هى الوسيلة لتحقق ذلك الأمر، غير أن ما يلفت النظر أنه فى الوقت الذى تبدو فيه متوقفة دون إلحاح طرف أو آخر على سرعة استئنافها يأتى تأكيد رئيس الوزراء مصطفى مدبولى أمس الأول كذلك فى فعاليات أسبوع المياه على حرص مصر على مواصلة عملية التفاوض، فى ذات الوقت الذى يؤكد فيه سفير إثيوبيا الجديد لدى مصر أن بلاده مستعدة لاستئناف التفاوض فى أى وقت، وليبقَى السؤال ما العائق إذًا؟! وهو سؤال يبدو وجيها وطرحه مهما وتمثل الإجابة عنه توضيحا لكثير من النقاط التى تبدو للمتابع من بعد غامضة!ّ

ومع الإقرار والقبول بالخلاف بين المصريين حول سياسة التعاطى مع أزمة سد النهضة على أرضية وطنية، تبقى فى تقديرى كلمة الرئيس السيسى أمام الأمم المتحدة فى أواخر سبتمبر الماضى معبرة عن الرؤية المصرية الحقيقية والتى تقوم على أن المفاوضات لا يمكن أن تستمر إلى ما لانهاية وأن مياه النيل ليست حكرا على أحد.. فبهذا الطرح بكل سبله، ايا كانت، تحقق مصر أهدافها من الحفاظ على حقوقها المائية التاريخية التى تتمتع بها منذ آلاف السنين.

[email protected]