رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

 

 

"الموت الحقيقة الوحيدة فى الكون",  عبارة يحفظها الجميع عن ظهر قلب, بل ربما يؤمن بها إيمانا لا يخالطه أى شك, ولكن عندما يرى الإنسان هادم اللذات يقتنص أحد أحبائه بلا سابق إنذار, وبدون شفقة أو رحمة يقف العقل عاجزا عن إستيعاب الموقف, لا يكاد يحرك ساكنا, لحظات خارج إطار الزمن تمر كأنها الدهر, وما أن تستفيق على الواقع المر حتى تبدأ رحلة المعاناة.

فى صباح ثانى أيام عيد الاضحى بدأت عملى فى جريدة الوفد بسماع خبر رحيله,فلم أصدق نفسى, أعدت على مسامع من أخبرنى اسمه مرة ومرات, فأكد أنه هو, دار شريط الذكريات الذى أمتد اكثر من ربع قرن فى ذاكرتى, وأنا فى حالة صمت تام, أسمع تعليقات الزملاء ما بين منكر ومتعجب ومترحم ومحوقل ومهلل ومسبح, ثم أفقت على كارثة أخرى عندما طلب منى كتابة نعيه.. يا الله.. أنا أكتب نعيه بنفسى , رفضت فى البدايه, ثم وافقت بعد ذلك لأعلن للناس وفاة زميلى وعشرة عمرى مصطفى أبو حلوة.

عرفته قبل ربع قرن، ملاكا يمشى على الأرض، متسامحا مع جميع المخلوقات، راضيا بما قسم الله له، لا تشغله إطلاقا دنيا البشر، فهو يعرف ماذا يريد منها ولذك لم يلهث وراءها، يكفيه منها القليل، همه الحقيقى رضاء ربه، غايته سعادة الناس بكل وسيلة يمتلكها .

رفيق الدرب، وعشرة العمر مصطفى أبوحلوة، الصديق والحبيب كتب المولى عز وجل  عليه الرحيل عن دنيانا الفانية وعالمنا  الظالم ليتم مسيرة الإخلاص فى العمل والرضا بالقضاء اللذين اتخذهما نبراسا فى حياته القصيرة فى عدد السنين، الطويلة جدا فى حجم العطاء وحب الناس.

لا تكاد تشعر بوجوده فهو كالطيف يأتيك لحظات معدودة ينشر خلالها البهجة والفرحة والسعادة، فإذا ما تنبهت تركك ومضى لينشرها فى مكان آخر.

طراز فريد من البشر ندر وجوده، أو قل انعدم، فى زمن المصالح والمنافع وما يتخللهما من كذب ونفاق وخداع وبيع كل شىء، والتضحية بأى شىء.

لم يتكلم بسوء على أى شخص يعرفه أو لا يعرفه، كان دائما يردد مقولة «دع الخلق للخالق»، حتى صارت قاعدة يسير عليها فى حياته، عاش مسالما متصالحا مع نفسه فصارت مطمئنة تعينه على طاعة ربه وتبعده عن كل ما يغضبه.

عمل فى باب "متاعب الناس" بجريدة "الوفد"، فوجد فيه ضالته المنشودة، وبذل جهدا جبارا فى إدخال السعادة على وجوه الناس , واختار طواعية البقاء وحيدا فى الحجرة المخصصة لـه,  يستقبل أصحاب الحاجات بابتسامة يخفف بها بعض ما هم فيه، ثم بذل أقصى ما يستطيع لحل مشاكلهم، ومتابعة خطوات الحل، وكثيرا ما كنت أسمعه يعطى رقم تليفونه الخاص لأى صاحب مشكلة لمتابعته شخصياً، فإذا حلت المشكلة كان أسعد الناس بذلك, وظل متمسكاً بخدمة الضعفاء والمكروبين حتى آخر لحظات حياته، ونذر نفسه لهذه المهمة الجليلة التى كان يرى سعادته الحقيقية فى إنجازها.

رجل من الزمن الجميل, طلق الدنيا ثلاثا وعاش فى صومعته , لا يتكلم إلا قليلا وإذا نطق كان الحق, عف اللسان, يمتلىء قناعة, بشوش الوجه, طيب القلب, إختاره الله للقائه فى خير أيام الكون , اليوم العاشر من ذ ى الحجة, خلع الناس ثياب الزينة وذهبوا لزيارة بيت الله, وأتم هو رحلته وذهب إلى خالقه, عاش فى هدوء ورحل بنفس الهدوء, لم يتعب من حوله , مرض للحظات معدودات ثم كان القدر, وعندما أردنا أن نرفق صورته مع خبر وفاته  لم نجد له صورة, لم يكن له حساب على مواقع التواصل الإجتماعى, ولم يهتم بذلك, كان بعيدا عن زخرف الدنيا الفانية , ولسان حاله يقول " لكم دنياكم ولى دين ", عيشوا أنتم الدنيا أما أنا فاخترت الآخرة, كان قدريا لأبعد الحدود, أيقن بحس المؤمن الصادق مع نفسه وربه أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطئه لم يكن ليصيبه فعاش فى كنف هذة الحقيقة الربانية الرائعة, فلم يحزن على شىء ضاع منه, كما لم يفرح بشىء جاءه, كنا نتحدث كثيرا عن الحياة ومصاعبها ومشاكلها, فكان يرد دائما "الحمد لله.. دع الخلق للخالق", حالة إيمانية عالية تقترب من الصوفية الحقة, فاذا ما إنتهينا من حديثا أجد فى نفسى شحنة هائلة من الرضا والقناعة تسربت إلى نفسى عن طريق مصطفى.

ولا شك أن له من اسمه نصيب, فالصفاء والاصتفاء وكل مشتقات الإسم تنطبق عليه تماما, وهذا ما شهد به الجميع, بل واتفقوا عليه , حتى الذى قابله مرة واحدة يشعر بذلك لأن الله وضع له القبول فى الارض فكان الحب الجارف والثناء الصادق.

عزاؤنا يا صديق العمر أنك فى مكان أفضل , فى ظل عملك الصالح, وقلبك الطاهر الذى لم يحمل أى مكروه لأحد , وستظل ذكراك دائما نبراسا لمن أراد أن يتذكر أو أراد قدوة حسنة , وعندما تأتى سيرتك العطرة سيذكرك الجميع بكل بخير فأنت أهلا لذاك.

[email protected]