رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 استغرقت رحلة المنفى الاختيارى الذى تعرضنا له نحن أسرة الولد الشقى «السعدنى» الكبير عشر سنوات فى عمر الزمن، كنا أيامها فى الصف الأول الثانوى.. بعد أن خرج «السعدنى» من سجون أنور السادات فى العام 1972 متهماً بقلب نظام الحكم. لم يجد صحيفة مصرية واحدة تنشر له مقالا كتبه يُحيى فيه جيش مصر العظيم على العبور بعد الوكسة الكبرى التى جرت فى العام 1967.. ويومها قرر «السعدنى» أن يهجر معشوقته الأكبر ويذهب حتى لا يصدأ القلم بين أصابعه إلى أى مكان.. سافر أولاً فى العام 1974 إلى الأراضى المقدسة لأداء الحج مع صديق عمره المهندس عثمان أحمد عثمان ونجح «عثمان» فى أن يخرج بـ«السعدنى» دون أن يثير انتباه السلطات فى ذلك الوقت. فوضعه ضمن وفد من الموظفين فى شركة المقاولين العرب.. وعندما منح السلطات فى المطار قائمة الأسماء تعمد أن يكتب اسم «السعدنى» على عكس ما هو موجود فى جواز السفر، فكتب محمود عثمان المعدنى.. وهكذا فلت «السعدنى» من السجن الكبير الذى حاول الرئيس «السادات» أن يسجن «السعدنى» داخله.. ومن السعودية اتجه إلى بيروت وهى المكان الذى وجد متسعا فى قلب «السعدنى» بعد مصر مباشرة.. كانت حرية الصحافة فى بيروت أمراً غير متوافر فى كل العالم العربى وعدد الصحف هناك يقترب ربما من عدد السكان.. فلم يكن لبنان فى حاجة إلى كل هذا العدد المرعب من الصحف والمجلات وهناك التقى «السعدنى» بأصدقاء المهنة الذين نالوا حب واحترام «السعدنى» ومنهم السيد أمين الأعور والصحفى الكبير سليم اللوزى والصحفى المصرى الذى غادر مصر إلى لبنان فى الخمسينيات على جمال الدين وهناك التقى مع أجيال جديدة من أهل القلم فى بيروت، منهم طلال سلمان صاحب جريدة السفير التى رحبت بمقالات «السعدنى» وخصصت له زاوية فى الصفحة الأخيرة وقامت الحرب الأهلية بعد وصول «السعدنى» بأشهر قليلة، فاضطر إلى السفر إلى عاصمة الضباب واستدعى بقية الأسرة للإقامة المؤقتة معه حتى نجد مقرا جديدا لكى نواصل دراستنا.. وبالفعل ذهبنا إلى لندن فى العام 1974 بعد انتهاء العام الدراسى وهناك استغرقت عملية انتظار الفرج تسعة أشهر بالتمام والكمال اشتكى خلالها كل سكان «سيل بلاس» من شقاوتنا وخناقتنا.. وكان يوم مغادرتنا للمكان يوم فرح حقيقياً لكل سكان المنطقة وما جاورها.. فقد جاء الأستاذ أحمد بهاء الدين إلى لندن وقابل «السعدنى» واندهش لبقاء الأسرة وتخلفنا  لمدة تسعة أشهر.. ووعد «السعدنى» خيراً.. وبالفعل بعد أسابيع قليلة.. اتصل الأستاذ بـ«السعدنى» وأبلغه بأن السيد أحمد خليفة السويدى وهو وزير خارجية دولة الإمارات العربية والرجل المقرب من الشيخ زايد بن سلطان سوف يمر بالعاصمة لندن وأنه ينتظره على العشاء فى أحد الفنادق القريبة من منزلنا الذى كان يسكنه العم نور السيد وندفع له 50 جنيهاً إسترلينياً إيجاراً كل 3 أشهر فى منطقة بادنختون, المهم حضر «السعدنى» اللقاء وكان الشيخ أحمد خليفة السويدى رجلاً عروبياً أصيلاً وهو أحد المثقفين العرب الذى أمضى سنوات طويلة من حياته فى تحصيل العلوم والحصول على أرقى الشهادات فى الدراسات العليا وفى إحداها كان زميلا للأستاذ بهاء فى مرحلة الشباب المبكر وهو أحد الطلاب العرب المتميزين الذين اتيحت لهم فرصة الدراسة فى القاهرة، فقد تخرج فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة فى العام 1966 وخلال لقاء على العشاء تبادل «السعدنى» الحديث مع الشيخ «السويدى» فسأله الشيخ ماذا تفعل يا أخ «محمود» فى لندن.. فضحك «السعدنى» وقال: أنا هنا باتفسح.. وبأقضى يومى من نادى قمار.. لنادى تانى.. فقال الشيخ يعنى أمورك المادية جيدة فقال «السعدنى» بالطبع أحسن من جيدة، فقد قامت الحاجة «أمى» ببيع ثلاث عمارات من أملاكها وحولت لى الفلوس حتى أتمكن من ممارسة هوايتى فى لعب القمار.. وأضاف «السعدنى» والحمد لله كل حاجة تمام التام.. وصمت الشيخ أحمد خليفة السويدى.. وتحدث «بهاء» عن عصر السادات طويلاً مع «السعدنى» وعن الخلاف مع مراكز القوى فسلم «السعدنى» على الشيخ «السويدى» وعلى أحمد بهاء الدين.. وبعد ذلك سأل الشيخ «السويدى» الأستاذ «بهاء».. يعنى «السعدنى».. ولا تكلم عن مشاكل ولا معاناة.. ده تكلم عن فلوس الوالدة والقمار.. وهنا ضحك الأستاذ «بهاء» وهو يقول.. «السعدنى» فى الحقيقة سخر من معاناته بهذا الكلام وهو حكى معاناته بالفعل ولكن على طريقة «السعدنى» الساخرة وفهم الشيخ «السويدى» من يومها طبيعة «السعدنى» ووعد الأستاذ «بهاء» بحل المشكلة فى أقرب وقت حتى يتمكن الأولاد من اللحاق بالسنة الدراسية.. وبالفعل اتجهنا إلى دولة الإمارات بعد اللقاء بعدة أسابيع وانتظمنا فى الدراسة هناك فى المرحلة الثانوية التى كانت أعلى مرحلة دراسية فى الدولة أنا وهالة وأمل بينما حنان فى المدرسة الإعدادية وبدت الحياة فى أبوظبى رائعة.. دولة تتغير أحوالها إلى الأجمل يوما بعد يوم، فقد أنفق الشيخ «زايد» على أبوظبى بسخاء لكى يحول اللون الأصفر إلى جنة خضراء وانتشر النماء بشكل غير طبيعى وكانت هناك ثورة عمرانية بكل معنى الكلمة ولمسة جمالية تلحظها العين فى كل مكان وتولى «السعدنى» مسئولية تحرير جريدة اسمها «الفجر» كان توزيعها بعدة مئات لا تتعدى المائتى نسخة أو يزيد ولكن بعد أن تولى أمرها «السعدنى» اكتشف أن هناك مواهب مدفونة، فأتاح الفرصة لاثنين من الموجودين بالفعل على قوة الجريدة ومنهم الفنان ورسام الكاركاتير  محمد العكش والصحفى الحقيقى اللى ما حصلش على حد قول «السعدنى» هندى غيث.. وفى خلال أعداد لا تزيد على الخمسة تحولت الفجر إلى الجريدة رقم واحد فى دولة الإمارات العربية المتحدة.. وكتب الأستاذ مصطفى شردى الذى كان يتولى تحرير الجريدة الرسمية الاتحاد هو والأستاذ جمال بدوى.. أن «السعدنى» استطاع أن يرتفع بالأداء الصحفى لجريدة لم يكن لها أى تأثير لتصبح الجريدة رقم واحد فى الإمارات وأيضا فى كل منطقة الخليج ولشدة انتشار الجريدة ظهر إلى النور بائع الجرائد عند إشارات المرور وفى الشوارع وهى مهنة لم تكن موجودة قبل ذلك وكان صاحب الجريدة رجل شديدة الطيبة اسمه عبيد المزروعى ووضع «السعدنى» شعاراً شديد الجاذبية على الجريدة وهو جريدة الفجر جريدة العرب في الخليج العربى وبدأت مقالات «السعدنى» تلفت أنظار السفارة المصرية فأبدت انزعاجا شديدا لتناول شخص السادات بالنقد.. ولم تمر إلا ستة أشهر فقط لا غير وانضمت إيران الشاه إلى المعترضين على تواجد «السعدنى» على رأس تحرير الجريدة واتصل مسئول رفيع بـ«السعدنى» وطلب منه بشكل ودى أن يغادر الإمارات إلى حيث يريد وسوف يصله راتبه كما هو فى أى مكان يختاره.. ولكن «السعدنى» شكر المسئول الرفيع وهو يقول.. أنا رفضت البقاء فى مصر فقد كنت لا أعمل أى شىء وأتلقى مرتبا عند عثمان أحمد عثمان فى شركة المقاولين العرب وهذا أمر لا أستطيع قبوله.. والحمد لله القلم لا يزال فى يدى وأستطيع أن أذهب أى مكان فلا داعى للقلق.. ولكن علم «السعدنى» أن قراراً صدر بضرورة مغادرته لأرض الإمارات خلال أسبوع.. فقال للمسئول.. أتمنى أن يظل الأولاد ما تبقى من أيام الدراسة لأنه من غير المعقول أن يدفعوا ثمن رأى أبيهم.. ووافق الرجل على الفور وأمضينا الشهر ونصف الشهر المتبقى وغادرنا إلى حيث «السعدنى» فضل.. الذهاب.. إلى دولة الكويت حيث وجد ترحاباً حاراً من أحد المسئولين الكويتيين وهو الشيخ جابر العلى الذى شغل أيامها منصب وزير الإعلام وكان أحمد الجار لله هو صاحب ورئيس تحرير جريدة السياسة الكويتية، هو أول صحفى كويتى يلتقى «السعدنى» ويعرض عليه الكتابة فى السياسة، حيث كانت  مصر بالنسبة له هى الأصل وهى رمانة الميزان وهى أن صلحت صلحت معها الأمة بأسرها.. وكانت السياسة فى الافتتاحية التى يكتبها أحمد الجارالله تشيد بالرئيس السادات وتوجهه وسياساته.. بينما على الصحفة الأخيرة هناك هجوم ساخر لنفس هذه السياسات بقلم محمود السعدنى وفى هذه الأيام كان هناك العشرات من الإعلاميين والصحفيين منهم أستاذنا الكبير أحمد بهاء الدين.. ولكن بعد وصول العائلة بشهر تقريباً تم استدعاء «السعدنى» إلى إحدى الجهات السيادية وأبلغوه بأن يسلم جواز سفره لأمر هام.. واكتشف «السعدنى» وجود ختم مكتوب عليه يغادر المذكور الدولة خلال سبعة أيام فتعجب «السعدنى» لهذا الأمر وقد كان عدد المصريين الذين تلقوا نفس الأمر 25 صحفيا وإعلاميا باستثناء الأستاذ أحمد بهاء الدين الذى تولى تحرير «العربى» وتحول إلى المطبوعة الأكثر انتشاراً فى كل عالمنا العربى بالفعل.. المهم أننا اتجهنا إلى العراق نحمل كل أغراضنا بسيارة نقل نسير خلفها بسيارة «السعدنى» «النوفا» الشيفروليه وضاعت الأيام السبعة فى وداع الأصدقاء الذين عرفهم «السعدنى» خلال سنوات طويلة ومنهم رجل شديد العشق لمصر وللمصريين وهو من الجيل القديم الذى عاصر البعثة المصرية التى كان فيها الطبيب والمدرس حيث ارتبط العم سعود العمر أطال فى عمره بالمصريين وأحبهم حبا لا مثيل له.. واكتشف أن «السعدنى» تعرف عليه فى بدايات القرن الماضى عندما تقابلا معاً فى سوق «الجراج» الذى تباع فيه السيارات المستعملة يومها اشترى «السعدنى» سيارته المفضلة الفولكس فاجن الخنفسة بثمن غير معقول فهى سيارة لا تصلح لأجواء الخليج وليس عليها اقبال يومها تصور العم سعود العمر أن «السعدنى» ربما يكون هندياً أو باكستانياً لأنه اتجه لشراء سيارة ليس بها حتى مروحة فى هذا الحار القاتل الموجود بالكويت.. وقال بصوت مسموع.. والله يكون فى عون هذا الهندى اللى راح يخرج م الحر فى هاذى السيارة.. فضحك «السعدنى» وقال.. تصدق ما هندى إلا أنت.. وضحك الرجل وتبادلا النكات واكتشف «السعدنى» أن صديقه الجدىد مدمن لمجلة صباح الخير وذكر له أسماء الصحفيين الذى يتمنى أن يلتقى بهم لو لمرة واحدة وعدد أسماء فتحى غانم وأحمد بهاء الدين ومصطفى محمود ثم قال.. ولا هذا الكارثة المسمى محمود السعدنى.. أيش هاى السخرية يا رجل.. ويسأله «السعدنى» أنت تعرفه كويس.. فقال العم «سعود» هاااا.. إيش لون ما أعرفه.. أنا كمان متابع أعماله فى الإذاعة.. وأسمع له برامج فى صوت العرب ومحطات اذاعية عربية ثم يتجه العم «سعود» بنظره إلى سيارة شيفروليه ويقول لـ«السعدنى» ليش ما تاخد هادى السيارة مصر فيها تكييف.. سيارة «كشخه» يعنى فخمة.. فقال له «السعدنى».. أنا لو ركبت العربية دى فى مصر الناس هتزعل منى.. وبعدين الفولكس ده عربية شعبية تلاقى أغلب الطبقة المتوسطة راكبينها.. فيقول العم «سعود» ولو عندك مصارى ليش ما تركب هذه العربية، عايش وسط الناس الطيبين وعربية زى دى ح تزعل الناس دول منى أوى ويقول «سعود» العمر والله أتمنى أجى أزور المحروسة ولو حتى ركبتونى بغلة ويعده «السعدنى» بأن يحقق له هذا الأمر ويسأله سعود العمر عن اسمه ورقم هاتفه وعمله.. فيقول له.. أنا أخوك سعود العمر.. رجل أعمال ويقول «السعدنى».. وأنا أخوك محمود السعدنى.. فيصرخ الرجل ويفتح ذراعيه بالمراحب الحارة ويشكر اليوم الذين ذهب فيه إلى سوق «الجراج» لكى يلتقى بكاتبه المحبب إلى قلبه منذ ذلك اليوم.. وسعود العمر يحفظ لـ«السعدنى» مكانة عظيمة فى قلبه وقد منحه الله العمر الطويل ليظل على عهد الوفاء يسأل عنا ويتابع أعمالنا حتى بعد رحيل «السعدنى» بعشر سنوات بالتمام والكمال.. وفى الكويت أيضا أذكر بالخير عدداً من الصحفيين الكويتيين كانوا يعتبرون وجود «السعدنى» وأحمد بهاء الدين فى الكويت فخراً للصحافة الكويتية، منهم حسين العتبى وأحمد الجار الله وسليمان الفليج.. وأتذكر هذه الأيام وتلك الشخصيات بالخير وأنا أشهد حملة غير مسبوقة على مواقع التواصل الاجتماعى بدأتها بنت أعتقد أنها لا تمت للكويت ولا لشعبها بأى صلة.. ومع الأسف تحولت الأمور إلى ما يشبه كرة الثلج وهى تكبر مع الأيام فى ظل وجود شخصيات مثل النائبة الكويتية الكارهة للبشر تنفخ فى النار لتزيدها اشتعالاً وكل ما أتمناه أن تعود الحكمة لمعالجة مثل هذه الأمور قبل أن تستفحل وتصبح كارثة بكل معنى.

أما بقية عشاق المحروسة فى الرحلة التى استغرقت 8 سنوات من عمر الزمن بالنسبة لنا وعشر سنوات بالنسبة لـ«السعدنى» الكبير فللقصة بقية.