رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 آخر جملة رددها جورج فلويد مستغيثا ومستعطفاً قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بمدينة مينا بولس، مينيسوتا فى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك أثناء تثبيته على الأرض بُغية اعتقاله من قبل ضابط شرطة مينا بولس «ديريك تشوفين» بالضغط على عنق فلويد لمنعه من الحركة أثناء الاعتقال.. وبعدها انفجرت مظاهرات الغضب فى معظم الولايات الأمريكية تنديداً بمقتل فلويد بدم بارد .. ولكى نقرأ المجتمع الأمريكى ونتفهم حدود أزمته فلا مناص من العودة للوراء مع البدايات الأولى لهذا البلد،  ولحسن الحظ هى ليست بعيدة.

المجتمع الأمريكى يختلف عن سائر المجتمعات الانسانية لأنه خلاصة مهاجرين من كل مكان فى العالم باحثين عن حلم . تصادف عام 1492م أن شهد حادثتين عظيمتين ولهما دلالتهما - سقوط آخر ممالك المسلمين فى غرناطة بأيدى مملكة إسبانيا، وما يسمى باكتشاف أمريكا، عندما وصل كولمبس إلى جزر باهاما ضالاً طريقه إلى الشرق. المهم بدأت موجات الهجرات الكبرى .. موجة الهجرة الأولى للعالم الجديد كانت على يد المكتشفين الأوائل الذين كانوا يبحثون عن طريق إلى الشرق بعيدا عن سيطرة الممالك الاسلامية على شواطئ البحر الأبيض «ممالك مصر والشام» وأيضا بعيداً عن ممالك الفرس والمغول بغرب ووسط آسيا.. ثم كانت صدفة التاريخ والجغرافيا معاً أن المكتشفين المغامرين وصلوا لشواطئ الغرب بدلاً من الشرق.

انفتحت شهية البابوات والكرادلة وملوك اوروبا تجاه العالم الجديد خلف الأطلسى بعد أن سمعوا عن ما يسيل لعابهم من ثروات تحت الأرض وفوقها فى قارة ظنوها غير مأهولة بالسكان . والغريب ان بابوات وساسة اوروبا فى ذلك الوقت اتفقوا على ترحيل كل من امتلأت بهم السجون فى القارة العجوز إلى أمريكا الجديدة وكأنهم رأوا أنه من المفيد للإقطاع الأوروبى أن يقضى هؤلاء المساجين اشغالهم الشاقة فى الزراعة والمناجم ينفعون أنفسهم بالقليل ويجنى البابوات والملوك ما استعظم من ثروات العالم الجديد .. وكانت آخر موجات الهجرة إلى الفردوس الذى كان مفقوداً وتم العثور عليه للآلاف من المضطهدين دينياً فى اوروبا والذين رأت الكنيسة وقصور الحكم أن الفردوس الجديد سيغرى هؤلاء الحالمين بما بعد الحياه بحياة قد تغنيهم عن حلم الآخرة بدنيا جديدة.

أجداد الأمة الأمريكية المعاصرة «مع التحفظ على مصطلح أمه» حين ادركوا ان القارة الجديده ليست أرضا خالية وانما يقطنها الهنود الحمر الذين يعود وجودهم فى هذه الأرض حسب تقدير كثير من المؤرخين إلى خمسة آلاف عام قبل الميلاد،  ارتكبوا أول وأبشع جريمة بالفردوس الجديد وذلك بإبادة الهنود الحمر لينفرد الرجل الأبيض بالأرض وما تحتها وفوقها من ثروات .. وقد كان وتم محو الهنود الحمر .. المتأمل لانعدام الضمير لدى المهاجرين الأوائل للقارة الجديدة سيجد نموذجاً طبق الأصل طبقه المهاجرون اليهود الأوائل إلى فلسطين .

القصة الأمريكية منذ قرابة الثلاثة قرون هى قصة مجتمع من المغامرين سواء ما قبل الدولة أو بعد اعلانها عام 1783.. لا فرق هنا بين ساكن البيت الأبيض والمتسكعين فى حوارى شيكاغو .. هذا المجتمع مازال فى حالة بحث عن نفسه وهويته وحلمه بثقافة تقوم على المنافسة فى كل شىء .. مجتمع عفى كأفراد وتجارب مذهلة للنجاح ولكن مايجب التنبه له ان الأمريكى حسب وصف الأستاذ محمد حسنين هيكل يعرف نفسه فى حالة الرخاء ويعرف المجموع فى حالة التهديد .. واعتقد أن الامبراطورية الأمريكية نحن نراها فى بلداننا بحجم قوتها - أما الأمريكيون فانهم قلقون لأن عسل الفردوس الذى اكتشفه اللصوص الأوائل بات يفقد الكثير من خواصه والمشكلة الأكبر أنه أصبح بلا غطاء أخلاقى مما يشجع الذباب أن يحتل سطح الأفكار ويعشش فى وجدان كثيرين وفى لحظة قد يتحول طنينه إلى براكين غضب والآن نتابع بعضا من نبضها.. والسؤال الآن ليس هل من انفجار كبير يوما ما، ولكن متى يحدث ذلك؟