رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

يبدو أن كورونا جاءت الينا محملة بالعديد من الرسائل الصحية والسياسية والاجتماعية، وبعد انتهاء الجائحة سنعيد اكتشاف أشياء كثيرة وعلى رأسها ارتباط الرغبة فى النجاة والوجود بهوس الشراء، ففى الأونة الأخيرة وعلى مستوى مصر والعالم سيطرت جائحة الشراء،على معظم الناس ، بل اقترن بها سلوك أناني متطرف، والسبب الرئيسى هو«الخوف»، و«القلق» من تدهور الأوضاع مما ينتج عنه قرارات عقلانية تقوم على احتمالية شُح العرض في الأيام القادمة، لأسباب سياسية أو اقتصادية. وماحدث فى الاونة الأخيرة ناتج عن عقلُ جمعي دافع لسلوكيات فردية تغذيها وتتناغم معها، وتجعلها نسقاً مجتمعياً مترسخاً، لتظهر الفردانية؛ وهى آفة أوجدتها المجتمعات الحديثة، لتمكن الإنسان من تشكيل «وجوده المشتهى»، وَفق طموحاته ومزاجه الخاص بما يتناغم مع حريته المطلقة.

ولقد أسهمت هذه الفردانية في تكريس حياة الإنسان لتحقيق مجده الشخصي بأعلى مستويات الحرية، وأشد حالات التنافسية التي تستجيب لجشع السوق وإملاءاته التي قد تخرج عن دائرة المحتمل أو المعقول أو المقبول، فيعمل فوق طاقته الإنسانية في كل المجالات والطبقات، الى جانب أن سلطة السوق وفق قوالب النيوليبرالية والفردانية المتطرفة التي تتغوّل على حساب أنماط التكافلية والتضامنية والتراحمية، مما يجعل الانسان مجرد وسيلة لتحقيق غايات مادية صرفة أو مخلوطة بقدر ضئيل من الأبعاد المعنوية أو الروحية. وللأسف أن الإنسان لا يشعر، بل لا يؤمن أصلاً بأنه يقوم بعمل غير أخلاقي؛ فالأخلاق لديه تتمثل بالدرجة الأولى في القانون، ولن يدرك من ثمّ مشاعر أو تصورات برجميته، فهو يرى نفسه قوياً سَوياً مُنتجاً حُرّاً، خاصة إذا اتحدت الأنا المشترية (الفردانية) مع الأخرى البائعة؛ لتحقيق أعلى قدر ممكن من المنفعة.

وللأسف إننا نتوقع أن تستمر هذه السلوكيات الأنانية وغير المسئولة بقوالبها المشرعنة قانونياً، وستستفحل متجاوزة عراقيل رفع السعر وضبط الكميات ونحوها من التكتيكات المؤقتة الصغيرة (مثل ما قامت به بعض الدول من بيع عبوة واحدة من المعقمات مثلاً بـ 5 دولارات والعبوتين بـ 45 دولاراً). إننا سنجد حتماً إنساناً يعيش لذاته وبذاته، ويتمتع بمسئولية تامة تجاه ذاته ومن يعول، تحقيقاً لسعادته ومجده الشخصي، اعتماداً على موارده وقدراته الذاتية، فلا يشعر بأي وخز للضمير، إن هو أقدم على شراء كميات كبيرة من الطعام والمنظفات وبقية الاحتياجات، حتى لو كانت على حساب الآخرين وربما حياتهم، ما دام أنه يقتني ذلك بِحُرِّ ماله وبِحُرِّ إرادته، وكل ذلك وأمثاله يقوّي فرضيتنا الذاهبة إلى أن ما يُقويك حال رخائك قد يضعفك حال شدتك.

  وسـتكون لهذه السلوكيات آثار مدمرة في أوقات الشدة، كما حدث في كورونا، ولا سيما إن طال أمدها، وربما يقود إلى إضعاف الاندماج الاجتماعي، وقد يخلق حالات من الاحتقان الطبقي أو يفضي إلى نمط أو آخر من الثورة على الثروة. ومعادلة الفردانية التي تنطبق على الأفراد تنطبق تماماً على الدول، فقد شاهدنا كيف عاملت دول الاتحاد الأوروبي دولة أوروبية محورية، مثل إيطاليا (وكذلك صربيا، وقد استمعنا إلى تصريحات رئيس الوزراء الصربي التي تقطر مرارة)، وكيف تلكأت الدول الأوروبية عن المعاونة بالمال والعلاج والطواقم والتجهيزات والمواد.

وبالطبع هذه الأنانية سترتد قطعاً عليهم؛ فالفيروس لا يعترف بالحدود، وفى النهاية الطليان لن يستقبلوا بعد الآن بـ«أذرع مفتوحة» إلا أولئك الذين وقفوا معهم وقت الشدة، ولن يهتموا بهشاشة أحلاف كالاتحاد الأوروبي. وأخيرا هلع الشراء سيستمر وستتفاقم سلوكياته وآثاره السلبية في الأزمات والمحن، إلى حين الإيمان بضرورة العودة للتراحم البشرى؛ أو كما قال الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا: «الوسيلة الوحيدة لامتلاك أحاسيس جديدة تتمثل في بنائك لروح جديدة».