عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات رمضانية (2)

 

«الحكمة ضالة المؤمن».. أسوق هذا الحديث الضعيف لما قد يبديه البعض من تحفظ على ما قد يراه تسويقاً لفكرة تنطلق من أساس إسلامى بناء على فكر رجل ربما رأى كثيرون أنه ممن خاصم الإسلام! فعبدالوهاب المؤدب (1946 – 2014) لمن لا يعرف أديب وأكاديمى من أصل تونسى، عاش فى فرنسا، أثار جدلاً كبيراً لانتقاداته اللاذعة للإسلام والمسلمين. من أهم كتبه «أوهام الإسلام السياسى» الذى صدر بالفرنسية تحت عنوان «مرض الإسلام» واستعرض من خلاله ما رآه مسيرة الأصولية فى العالم الإسلامى منذ نشأتها الأولى وصولاً إلى أحداث سبتمبر 2011 زمن تأليف الكتاب.

الانطباع الذى يتولد لديك عن المؤدب على ما يحاول أن يلتزمه من موضوعية نقمته على أوضاع المسلمين وحال الإسلام الذى يراه بتعبيره «مفجوع بفقدان غلبته» وهو فى ذلك يسوق من الأمثلة والمواقف ما يجعلك تتفق معه وتكاد تقبل بما يقدمه من رؤى فى ثنايا الكتاب، غير أنه مع الإقرار بفكرة الاختلاف وأن أحداً لا يمتلك الحقيقة المطلقة، فإن جبهة الاشتباك مع المؤدب يمكن أن تتسع بشكل كبير، وهو ما حصل فعلاً خلال حياته، على خلفية رؤاه التى رآها معارضوه تنطلق من أرضية جبهة التنوير فى الفكر العربى. يكفى هنا أن أشير لك إلى أنه توازى مع قراءتى لكتابه سالف الذكر كتاب آخر يتناول الفلسفات المعارضة للفكر الإسلامى فى القديم والحديث لمؤلفه الدكتور عبدالقادر محمود، وقد كانت مواقف المؤدب على العكس تماماً، حيث كان يؤيد هذه الفلسفات ويراها تمثل خلاص الإسلام، وعلى رأسها الفكر الصوفى، حيث كان يرى فى الصوفية دواء للتطرف.

بعد هذه المقدمة التى كان لا بد منها، وربما طالت بعض الشىء لوضع القارئ فى سياق الفكرة الرئيسية، أشير إلى أن المؤدب وفى معرض تصوره لسبل خروج المسلمين من مأزقهم يرى أن ذلك إنما يكمن بشكل أساسى فى ممارسة حرية التفكير وفى التعبير عنها ونشرها، معتبراً أن من بين الأسباب التى جمدت مدننا غياب هذه الممارسة للحرية.

على هذه الخلفية الرئيسية لإمكانيات التطور والتقدم يتطرق المؤدب للمفهوم موضوع حديثنا وهو البدعة مقدماً رؤية أتصور أن تطويرها ربما يفتح آفاقاً جديدة أمام التفكير والخروج من أسر حالة التخلف التى يعيشها المسلمون، بمعنى أنه بالفعل قد آن الأوان لإعادة النظر فى مفهوم البدعة ومنحه منظوراً إيجابياً على خلاف ما هو قائم.

رغم ما قد تراه من مبالغة فى توصيفه إلا أن المؤدب، فى رأيى، أصاب كبد الحقيقة حين أشار إلى أنه من المفاهيم التقليدية التى كثيراً ما تتردد على كل لسان، مفهوم البدعة، وأن المشكلة بحسب توصيفه أن المفهوم فى عالمنا الإسلامى يعتبر «مفهوماً قداحياً» لدرجة أن المتهم به يلحقه العار والإدانة والهامشية والحرمان والتكفير بل الموت الرمزى أو الحقيقى كذلك، فيما أن اشتقاق اسم سلبى على هذا النحو– والكلام للمؤدب- من الجذر الفعلى بدع الذى تعنى خلق وابتكر يؤدى حتماً بالسلطة إلى أن تطرد من المدينة الابتكار والخلق ومغامرة الجديد، وكل الأعمال التى كانت مصدر نجاح الغرب وتأسيس الحداثة. وعلى هذا الأساس فإن المؤدب يرى أنه «لأجل السير على طريق الابتكار ينبغى تحويل اشتقاق الكلمة من البدعة إلى الإبداع بأن تعطى كلمة البدعة الميزة الإيجابية التى تبرز ما يصدم العادة ويفزع الحكم المسبق ويقوض الأفكار القارة كما يرج القوالب»

من المؤكد أن كلمات المؤدب تحمل ما يشى بموقفه الناقد للإسلام أو المسلمين بمعنى أصح، فمن غير الصحيح أن صاحب البدعة يلقى الموت الحقيقى فى أى من أنحاء العالم الإسلامى، غير أنه من الصحيح بل المثير للدهشة تلك الحالة المزرية للمفهوم على النحو الذى يشى بأنه ربما كان هو والخروج من الدين أمرين لا يفترقان. دعك طبعاً من إشارة البعض إلى وجود بدعة حسنة إلى جانب البدعة السيئة، فالشائع فى عالمنا هو النظرة السلبية للمفهوم، ورغم أن منطوق الحديث النبوى بشأن البدعة ينصرف إلى البدعة الدينية، «من أحدث فى ديننا ما ليس فيه فهو رد» إلا أن التعامل مع السنة تجاوز هذا السياق، لتصبح البدعة أياً كانت مفهوماً سيئ السمعة.

بالطبع لا المقام ولا المساحة يتسعان لمناقشة رصينة لمفهوم البدعة وتعاطى المسلمين معه غير أنه فى إشارة سريعة نجد أن التعريف العام للبدعة هو «الفعلة المخالفة للسنة» وهو تعريف رادع للمسلم، حيث لا يوجد مسلم حقيقى يقبل أن يقوم بمخالفة السنة. كما أن البعض فى تأسيسه لهذا الفهم والتحذير من البدعة يستدعى قول النبى «..وإياكم ومحدثات الأمور» رغم أن النسبة الأكبر من القضايا التى يواجهها المسلمون، دينياً وحياتياً، تعتبر من المستحدثات التى ربما لم تتم إثارتها أو طرحها فى زمن الإسلام الأول.

وعلى ذلك فقد يكون من أولويات برامج الخروج من أسر الركود الإسلامى التعامل برؤية جديدة للمفهوم، وأن يتم فهم الحديث النبوى «كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار» فى سياق مختلف عما ساد الفكر الإسلامى قديماً وحديثاً لرفع السقف الموضوع على تفكير العقل المسلم بما يساعد على خلق دور له فى القفزات المتنوعة التى تحققها البشرية!