رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

هل نحن أمام لعنة بيولوجية خرساء، تدعى «فيروس الكورونا» الجديد، الذى أصبح بصدد تهديد صارخ للبشرية بالتهامهم فى أتون «وباء» عابر، مثل وحش هارب من المعامل،  يتجاوز حدود «المرض المتوطن» فى بلد دون غيره، متحولاً إلى «جائحة» تهدّد بالتهام الملايين، كما فعل أسلافها من قبيل الطاعون الأسود أو الإنفلونزا الإسبانية، أسئلة تملكتنى فى الفترة الأخيرة، وخاصة بعدما حاول الغرب توريط الصين فى وحل فيروس كورونا، بوصفه خطأ هيكلياً فى سياسة الحياة داخل مجتمع آسيوى «غير حرّ»، مع أنّ التهديد الوبائى ليس تهمة عنصرية يمكن إلصاقها بالعدوّ المنفصل عنّا، فنحن على نفس الباخرة، ولا مجال لأن يدّعى أى جزء من الإنسانية أنّه معفى من العدوى التى لا تفرّق بين الهويات أو الثقافات أو الأديان.

ومن ثمّ، فهستيريا الغرب من عدوى الكورونا كأنّه اختراع وراثى «صينى» أمر لا يخلو من نزعة «عنصرية»، وجدت طريقها إلى التعبير الإعلامي. وللأسف إنّ نشر الخوف يمكن أن يتحوّل إلى سلاح وبائى، وعندئذ علينا أن نسأل: هل من الجائز افتراض نيّة بيو-تكنولوجية لتحسين النوع البشرى من خلال تصنيع فيروس كورونا واختباره؟ وهل نحن ضحايا سياسة بيو-سياسية تتلاعب جينيًّا أو وراثيًّا بالطبيعة البشرية، سواء أن كان ذلك بشكل مقصود فى المعامل، أو غير مقصود بسبب سياسات سيّئة فى الصحة أو الغذاء أو البيئة؟، وإلى أى مدى يمكننا أن نفترض هروب الفيروسات من المختبرات ، وتحوّلها إلى تهديد يطول كل مساحة «المناعة» الجسدية، ولا تصمد أمامه أى حدود.

وفى الواقع يبدو أن الأيام أثبتت كون الإنسان مجرّد مساحة بكتيرية أو فيروسية عابرة للأجسام الحيوانية، وأصبح «الجسد» الإنسانى لا يمثّل سوى حلقة عضوية فى سلسلة خلويّة سابقة إلى حدّ لامتناهى الصغر، لكنّها تعبر حدود الجسم المرئية أو الخارجية إلى «عدوى» الأجسام «الأخرى»، كل هذا ليس وليد اليوم ولكن فى الحقيقة أنه تم اكتشاف قارة اللّامرئى الحيوى (الخلوى والبكتيرى والفيروسى) داخل الإنسان فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، ولكننا فهمنا ذلك مؤخراً بعد فيروس الكورونا الذى اجتاح العالم، مع أن اكتشاف الفيروس كان منذ 1892 وأحدث انقلاباً فى السياسات «الوبائية»، حيث يصبح «الجسم» العضوى مساحة عدويّة مفتوحة ، ويبدو «الوباء» بمثابة لحظة ترجمة فارقة فى حياة الإنسان، وفجأة لم يعد الإنسان سوى حالة فيروسية وتحوّل بسرعة مرعبة إلى دوائر حيويّة لا متناهية من «إمكانيات المرض» لا يرى منها سوى طبقتها الخارجية فقط. بل إنّ حدود الجسد تغيّرت وأصبح مساحة «فيروسية» لا نراها. وكأن الفيروس جاء ليهدم الجدران الثقافية التى بناها الإنسان التقليدى ليفصل «نفسه» عن بقيّة الكائنات «الحية» ، ولأوّل مرة، فى عصر الفيروسات، صار الجسم البشرى ضعيفاً عضوياً أمام كل أنواع الهجومات الحيوية. الجميع يعيش الآن الخوف من مساحة الوباء غير المرئية المختبئة فى أجساد الآخرين التى تحوّلت فجأة إلى دوائر حيوانية تنفث عناصر العدوى دون أى حواجز أخلاقية أو أمنيّة غير «شعور المسافة»، لأن الصحّة دوماً تقع على حافة معركة مع مرض ما، لا نراه أو صار بمثابة مقياس غير مرئى لما نريد أن نفكّر فيه. وخاصة إنّ المرض يجرّد الروح من كبريائها ويحوّلها إلى كائن ينتظر، «الدواء».

وفى الحقيقة أننا نواجه التحدّى البيو-تكنولوجى والبيو-سياسى الذى يرفعه فيروس كورونا فى وجه الإنسانية الراهنة من خلال طرق عدة، أهمها معرفة تاريخ الأوبئة التى اصطدمت بها الأزمنة الحديثة، سواء كانت أوروبية أو انتقلت إليها من المستعمرات عن طريق تجارة «الأجسام» السمراء المستعبدة، منذ القرنين السادس عشر والسابع عشر، مثل الطاعون والحمى الصفراء والكوليرا.