رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

فتحت شباك الماضي.. حكى لي الصديق الدائم عبدالرحمن الجبرتي في «عجائب الآثار والتراجم والأخبار»، أن شائعة ما سرت بين الناس أن القيامة ستقوم بعد يومين. كان ذلك في شهر ذي الحجة سنة 1147 هجرية، ما يوافق مايو سنة 1755م، وكان الوالي العثماني على مصر هو عثمان الحلبي.

بالطبع لا يعرف أحد سر ميلاد الشائعة. مَن أطلقها ولم وكيف؟ لكن بسهولة يمكن تخيل كيفية انتشارها بسرعة البرق، بدون سوشيال ميديا، أو واتساب، ولا فضائيات تنقل الأكاذيب قبل الحقائق. عمت الشائعة مصر المحروسة، وآمن بها الناس لدرجة أن الرجال والنساء والأطفال خرجوا إلى الميادين والمتنزهات والغيطان ينظرون نحو المناظر الخلابة وهم يرددون: دعونا نودع الدنيا. في الجيزة مثلا وقف الناس أمام النهر (النيل) وتوضأوا ثم صلوا صلاة التوبة، واستغفروا الله موقنين نهاية الكون. وكان من المثير أن بعض العقلاء قاموا في الناس يخطبون ويخبرونهم أن هذا الكلام كذب لأنه لا يعرف القيامة سوى الله، لكن الناس كانوا يشيحون وجوههم ويتركونهم مرددين: بقى لنا يومان. في الوقت ذاته، فإن بعض اللاهين لم يرتدعوا، وذهبوا إلى الخمارات، وطلبوا الشراب ليشبعوا من دنياهم. ولما مر اليوم المنتظر دون أن يحدث شىء، ابتكر العامة الحل المرُضي، مرددين أن الشيخ الصوفي أحمد البدوي تشفع لدى الله ليؤجل يوم القيامة، وقبل الله شفاعته.

تلك لمحة لعقلية العوام التي تستعذب نقل الغرائب، وتستسهل اقناع الآخرين بالترهات، وهي سائدة وباقية ما ظل التعليم وما بقيت الثقافة بالمستوى الآني. لا بحث علمي سليما، لا آداب للحوار، لا ايمان بالمنطق والعقل، لا فكر مستقيما، لا نظرة موضوعية للأمور، قطيع يُجابه قطيعا، ضجيج بلا طحن، والكل قبض الريح كما يقولون.

أتصور أن تلك العقلية أخطر علينا من كورونا، وغيره من الفيروسات، أخطر علينا من الإخوان المسلمين، أخطر من الداعشيين المتخفين حولنا، أخطر من التعصب، أخطر حتى من عصابات الفساد الفوقي والتحتي.

أتذكر أنني كتبت كثيرا أنني لو كُنت في موقع المسئولية، لأنفقت كل ما لدينا من موارد على التعليم. نعم التعليم ولا شىء آخر. التعليم قبل وسائل النقل، قبل المزارع والمصانع، قبل الكباري والطرق، قبل المُدن والمراكز الحضارية الجديدة، قبل المشروعات العملاقة، قبل كل شىء.

ليس أسوأ من اللا فهم. اللا اكتراث واللا أمل. النوم في العسل أو حتى في الوحل. النوم عن الحياة، العلم، القراءة، البحث، التفكير، التأمل. إن الأدمغة المنغلقة تتكلم ولا ترى، تُكرر ولا تتدبر، تُجيب ولا تتساءل، تُصدق كل ما يُقال حتى لو كان متناقضا. تستهلك وتتبع وتساير وتنافق وتُمالئ وتصفق.

يبدو ذلك واضحا في جائحة كورونا، فالإشاعات تسري ككهرباء سريعة، لا تعرف مَن أطلقها، ولِم؟، وكيف اقتنع متعلمون بكل هذا الكم من الخزعبلات، كيف صدق البعض حكاية الشعرة، وكيف آمنوا بأكذوبة قراءة آية ما ألف مرة لصد بلاء، ولِم فاح كل هذا الهراء؟.

 بهدوء وروية وحكمة وصبر يُمكن للبشرية الانتصار على الفيروس، لكن الأهم والأعظم الانتصار على الخوف.

افتح شبابيك المستقبل، حالماً بمصر أخرى، تولد من محنة العالم، أقوى وأصلب، وأكمل عقلاً.

والله أعلم.

[email protected]