عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سلالم

 

 

رُب ضارة نافعة، ورُب مصيبة مُلهمة ومعلمة وهادية.

العالم يتعلم من محنه، يُغير أفكاره، ويُبدل قواعده، ويعيد النظر فى نظريات مكتوبة أثبت الواقع خطأها.

لكن أبرز ما أكدته محنة كورونا على مستوى العالم، أن النمط الاستهلاكى للأفراد سيتغير وأن فكرة اللهاث وراء الموديل الأحدث من كل جهاز وتطبيق لم تعد منطقية، وأن ما يتم إهداره من أموال وراء كلمة الأحدث كانت كفيلة بإنقاذ أرواح الآلاف هنا وهناك لو أنفقت على الرعاية الصحية.

تخيلوا أن دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية، تكتشف فجأة أنها ليس لديها أجهزة تنفس صناعى كافية، فى الوقت الذى تمثل أعلى استهلاك فى العالم لأجهزة الاتصالات، الترفيه، والألعاب الإلكترونية.

لقد بدأت الألفية الثالثة بعبارات ساحرة فرضتها العولمة منها أن العالم صار قرية صغيرة، وأن حكم الأيديولوجيات انتهى وولى وحل محله حكم الشركات. اختط كثيرون وبشروا بعصر الماركتنج، حيث كُل يعتمد نجاح كل منتج، وتحدد قيمته طبقا لحجم ما أنفق فيه على التسويق والدعاية. كُنا فى الماضى نُحدد سعر السلعة طبقا لما بذل فيها من جهد بشري، ثُم صارت القيمة محددة وفق آليات العرض والطلب، لكن الفكرة الجديدة ركزت على أمر واحد هو ما أنفق من ترويج، حتى إن شركات عالمية قُيمت بمليارات الدولارات رغم عدم امتلاكها أى أصول غير اسمها التجاري.

وعلى مدى عقدين من الزمن نمت وتضخمت ثقافة الاستهلاك، وتفنن عباقرة ونبهاء التسويق فى خطف عين الإنسان والتأثير على مشاعره ومخاطبة رغباته والتلاعب بذاته من خلال الإعلان عما يفكر فيه كل إنسان. أتذكر أننا كنا نندهش من كل موديل لهاتف محمول جديد ونعجب لخصائص مدهشة يتميز بها، ولا نلبث بعد عام أو اثنين أن نرى تلك الخصائص باعتبارها صفات طبيعية، ثُم نندهش ونعجب بخصائص أخرى إضافية تقدمها الموديلات الأحدث. كان كُل جديد ساحرا للنفس البشرية الرامية دوما إلى امتلاك ميزات أكثر ومستويات أعلى رغم أننا قد لا نستفيد بها أو تستخدمها.

لقد استطعم عصر الماركتنج أرواحنا، تغذى على ذواتنا، والتهم رغباتنا وصرنا مُسيرين له، خاضعين لزمن استهلاكى غريب، يتلاعب بنا حيثما شاء.

ومنحة كورونا التى يراها علماء الاجتماع والاقتصاد فى العالم أنها ستغير كثيرا من الأنماط الاستهلاكية السائدة، ستدفع الناس للتفكر فيما هو ضروري، وما هو أقل ضرورة، وما هو غير ضرورى بالمرة. سيُعيد كثير من البشر حساباتهم، سيفكرون أكثر فى الجمال الحقيقي، العطاء الأوسع، نفع الناس، والخير.

تعلموا من أوقات الشدة ما يصلح لتنظيم أوقات الرخاء.

والله أعلم.

 

  [email protected]