رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

سلالم

 

 

هذا عالم يتغير أسرع مما نحسب ويتبدل أبعد ما نتصور. كيانات عملاقة تقع وأخرى تتضخم، بلدان تعلو وبلدان تهبط، وسياسات تتحول وآيدلوجيات وسيناريوهات تسقط، وشخوص ترتقى نحو العلا وزعماء يغيبون عن الأضواء.

ذلك الزمن سريع الوتيرة، متبدل الأمزجة، لا تحكمه نظرية ولا تضبطه قاعدة، عظماؤه تافهون وضعفاؤه يملؤون السمع والبصر فى لحظات.

تلك سمة عصرنا الآنى، وهى سمة تلقى بظلالها الواسعة على عالم الاقتصاد ودنيا المال والأعمال، وليس أدل على ذلك من أن العالم الذى عاش عقودًا طويلة يستظل بظلال تجارب الليبرالية وتطور الرأسمالية صار اليوم متحفظًا، منتقدًا لها، باحثاً عن ثغرات عديدة للنفاذ منها.

على ضوء ذلك لم يعد غريبًا أن نسمع العالم الفرنسى توماس بيكيتى يحذر من انهيار النظام الرأسمالى بشكله الطبيعى، ويدعو إلى كبح جماح حصان الربح المغالى فيه، من خلال ضرائب متصاعدة يطالب بفرضها على الأثرياء لتصل إلى 70 و80% على الأقل. إن الرجل يستغرب مثلا أن يوجد صاحب وظيفة ما فى شركة متعددة الجنسيات يحصل على راتب يتجاوز المليون دولار شهريًا، لأنه ببساطة لا يوجد عمل فى العالم يساوى هذا المبلغ كل شهر مهما كان الجهد المبذول فيه، وفى اعتقاده فإن الرواتب الخيالية المغالى فيها تعكس رغبة من إدارات بعض الشركات لإلزام قياداتها بالسكوت على أمور قد تكون غير أخلاقية.

إنه يشبه التطور الرأسمالى بصعود نحو المنحدر وبقرب زوال عصر من القيم الاقتصادية والاجتماعية التى كانت بالنسبة لنا قيما راسخة كالجبال.

وإذا كنت لا أتفق تمامًا مع ما يقوله الرجل وما يقوله غيره من اقتصاديين وباحثين كبار فى العالم، إلا أنه يجب التأكيد أن ذلك يجد آذانًا صاغية لدى قادة العالم حتى على مستوى رؤساء الدول الرأسمالية الكبرى أنفسهم، والذين يرون أن التفاوت الكبير بين الأثرياء والفقراء تجاوز حدود الاستقرار الاجتماعى الطبيعية، وينذر بمشكلات مستقبلية عديدة. ومن هنا ولدت مبادرات وأفكار عديدة رعتها وبشرت بها بعض الشركات متعددة الجنسيات والعابرة للقارات فى العالم تمثلت فى دعم المسئولية الاجتماعية للشركات وحرص كل شركة على ما يسمى بالاستثمار المثالى الذى لا يستهدف الربح وحده وإنما يستهدف البيئة الاجتماعية المحيطة. فضلاً عن مبادرات دعم قضايا الإنسانية مثل مواجهة الأوبئة والأمراض أو تعليم وتوعية الشعوب البائسة.

لكن، هل تفى تلك المبادرات وحدها بعبور التفاوت الكبير فى الدخول والثروات؟ هل يكفى قيام كل شركة كبيرة برصد نسب من أرباحها للأعمال الخيرية فى ترويض وحوش الرأسمالية المتخيلة؟ هل تنجح مشروعات المسئولية الاجتماعية ذات الأبعاد البيئية فى الحد من الأزمة القادمة؟

تلك تساؤلات مشروعة تتردد بقوة عبر المؤتمرات والندوات وجلسات العصف الذهنى والصحف والإصدارات المعنية بالاقتصاد والاستثمار حول العالم.

وفى تصورى فإننا أيضاً مطالبون بأن نفكر فيها باهتمام وموضوعية وجدية.

والله أعلم.