عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

لقد آمن الرواقيون فى كل عصورهم الفلسفية بأن طريق السعادة يبدأ من داخل ذات الانسان نفسه وليس من أى ظروف خارجية، إن طريق السعادة ينبع عندهم من قدرة المرء الداخلية على التحكم فى انفعالاته وخاصة إذا كانت انفعالات تجلب له الألم والحزن. ولا شك أن انفعال الغضب واحد من هذه الانفعالات الرديئة المليئة بالرذائل – على حد تعبير سينكا -. فالغضب إفراط بلا كلفة عند القلة ؛ فكم من العبيد لهم سيد غاضب فشردهم أو قتلهم وكم خسر بغضبه أكثر مما أثاره فيه! فالغضب يجلب الحزن للأب والطلاق للزوج والكراهية للقاضى والهزيمة لمرشح المنصب. إنه شكل من أشكال الحرب يفتقر لقوة السلاح، إنه يرهب الطبيعة البشرية التى تحثنا على الحب وتدعونا إلى الإحسان للآخرين، إنه يقودنا نحو الكراهية ويدعونا للإضرار بالآخرين.

إن التخلص من الغضب يبدأ من التخلى عن النقاشات الحادة وأن نحاول وضع حد لأى نقاش محتمل، وهو فى مراحله الأولى، فالخلاف يتغذى على نفسه ويحكم القبضة على المستغرقين فيه بعمق. وينبغى للميالين إلى الغضب – فى رأى سينكا – ألا يسعوا للوصول إلى غاية الإرهاق والإنهاك ولا ينبغى أن يظلوا عاكفين على الموضوعات الصعبة بل من الضرورى أن يأخذوا قسطًا من الراحة العقلية باللجوء إلى الاستمتاع بالفنون المبهجة وقراءة الشعر واللجوء إلى قراءة قصص وأساطير التاريخ المسلية. لقد اعتاد فيثاغورس فيلسوف وعالم الرياضيات الشهير أن يعزف على القيثارة ليهدأ عقله حين يصيبه الملل والضجر. وعلينا أن نتحاشى المنتديات والدعاوى والمحاكم وجميع ما يؤدى إلى إثارة رذيلة الغضب ونحترس من الانهاك البدنى لأنه يثير فينا الأشياء الموحشة.

إن من الأفضل للإنسان أن يتصرف بطيبة حينما يستشعر فى نفسه الشر وأن يربط كلامه بقيد مشدود حتى يمنع نزعته العدوانية.

إن علينا أن نضع أنفسنا موضع الشخص الذى نغضب منه حيث سنرى من هذا المنظور أن تقييمنا غير العادل لأنفسنا يجعلنا غاضبين وأننا لا نرغب أن نعانى فعلاً ارتكبناه بارادتنا. إن علينا أن نتوقف ونقول لأنفسنا « انتظر لحظة» ؛ فأعظم دواء للغضب هو الارجاء حتى تفتر حماسته الأولية وتتلاشى. ومن القصص المأثورة ما رواه سينكا عن أن أفلاطون عندما غضب من أحد عبيده لم يتمهل وأمر العبد أن يخلع سترته وأن يقدم ظهره للجلد الذى عزم أن يقوم هو به. وبعد أن أدرك أنه غاضب وبينما كان يرفع يده وقفت يداه فى الهواء وتوقف مثل شخص يستعد للضرب، وعندما رأى صديقه المشهد سأله : ما الذى تفعله ؟ أجابه قائلا : أنا أعاقب رجلاً غاضبًا. لقد مثل أفلاطون فى تلك القصة رجلاً مصابًا بالشلل حينما أدرك انه على حافة الوحشية!، لقد نسى أفلاطون آنذاك العبد وما فعله لأنه وجد نفسه وقد استحق التوبيخ فمنع نفسه من ارتكاب الخطأ. لقد علق سينكا على هذه القصة قائلا : كم هو عظيم أن نتبنى هذه الممارسة لكبح جماح الغضب. إن علينا أن نناضل مع أنفسنا حتى نمتلك ارادة التغلب على الغضب حتى نمحوه وان لم نستطع محوه كاملا نمنحه مخرجا بالتنكر لعلاماته وجعلها مخفية إذ ينبغى علينا أن نخفيه فى أعماق ضلوعنا ونتحمله دون أن نظهره أو نثقل به!   

إن عليك – كما ينصحك سينكا - من الآن فصاعدًا أن تسعى إلى كسب الأصدقاء وتلطيف الأعداء وأن تتحول من الانكفاء على مصالحك ومطالبك الأنانية إلى خدمة المصلحة العامة، حول طاقتك للاهتمام بالأمور المنزلية والعائلية بدلا من أن تتطلع إلى إيذاء امرئ فى وضعه أو فيما يملك أو فى شخصه!

إن عليك أن تتدبر دائمًا هذه الحقيقة، حقيقة أن كثيرًا من الأشياء التى تغضبنا تسىء إلينا أحرى من أنها تضرنا، وأن من يتطلع إلى ما يمتلكه آخر لا يسعد بما يملكه، ونحن نغضب مع مالنا لأننا نضع ما للآخرين أمامنا ونتغافل عن مقدار الانسانية التى تقبع وراءنا!

وليتأمل كل منا هذه العبارة الرائعة لسينكا «إن المسار الضيق يثير الشجار بين المارة ولكن الطريق الواسع المفتوح على مصراعيه لا يسبب حتى تصادم الأمم». إن اتساع أفق المرء يجعله أشبه بالطريق الواسع الذى يتحمل مرور كل الماره دون أن يصطدم بعضهم ببعض، ومن ثم فعلينا أن نوسع من أفقنا لنسمح لأنفسنا وللآخرين بالمرور فى هذه الحياة بهدوء وبدون إزعاج لأنفسنا أو لهم، وياليت الأمر يتسع ليشمل العلاقات بين الدول والشعوب حتى يستمتع جميع البشر بحياة يملؤها السلام والمحبة وخالية من الغضب والصراع!

[email protected]