رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

الحقبة القبطية في مصر تمتد من القرن الأول الميلادي إلى القرن السابع، وتحديدا حتى سيطرة عمرو بن العاص على الاسكندرية عام 642 ميلادية.. بقيت اللغة القبطية لغة معظم المصريين حوالي أربعمائة عام بعد دخول الاسلام مصر وتحول معظم المصريين للدين الجديد سواء بالاختيار أو الاضطرار.. عندما اعتنق المصريون المسيحية قبل أكثر من ألفى سنة،بدأت ثقافة جديدة تتغلغل في حياة المصريين عبّر عنها الفولكلور القبطي والذي يستمد أهميته التاريخية من حفاظه على سمات الشخصية المصرية، وظل جسرا عظيما يربط ما بين تاريخ المصريين الأوائل ( عصور الفراعنة ) وما بين مصر التي تحولت إلى ديانة جديدة في منتصف القرن السابع الميلادي.. المسلمون الأوائل في مصر كانوا قبل أيام أو ساعات من إسلامهم مسيحيين لهم عاداتهم وفنونهم وثقافاتهم – ومن هنا بدأ مكون جديد للفولكلور الشعبي المصري عبارة عن مزيج من عادات القبط سابقا–المسلمين فيما بعد.

المغالطة التاريخية التي حدثت ولا تزال -ربما بمنطق الغلبة - اعتبار التاريخ الشعبي للمصريين – إن جاز التعبير – بدأ مع دخول الاسلام وسيادة اللغة العربية وانحسار اللغة القبطية داخل الكنائس.. غياب الفولكلور القبطي عن مناهج التعليم والسينما والمسرح والإعلام والإنتاج الثقافي عامة أحدث تشوهًا في سمات الشخصية المصرية التي أجبرت أن تقرأ التاريخ بعين واحدة.. من مصادر قوة أي مجتمع تعدد المعتقدات الدينية التى مرت عليه تاريخيا – ومعروف أن المصريين غيروا دينهم قرابة العشر مرات من العصر الفرعوني إلى دخول الاسلام، وهذا التنوع والتعدد أحدث غنى كبيرًا في ثقافة المصريين ومكنونهم الشعبي أو فهمهم الشعبي للأديان.

للأسف الشديد تجاهل الولاة والحكام الذين دانت لهم مصر خلال أربعة عشر قرنا مضت التراث القبطى بما يحمله داخله من هوية عبقرية، ومن اللافت أنه سواء بدافع الكبرياء والفخر أو الدعاية – عندما نستدعي تاريخنا القديم نستحضر العصر الفرعوني ونقفز فوق سبعة قرون لمصر القبطية لتحط الأقلام بعصبية فوق حقب تالية.. أعتقد أن مواجهة بعض مظاهر التطرف والاحتقان الطائفي خاصة في جنوب مصر، وكذلك مواجهة ثقافة « الغلبة لمن غلب » يبدأ هذا وذاك بتغيير الموقف الرسمي للدولة من هذه القضية ككل. البداية أن يكون شأن الهوية المصرية الجامعة لكل المصريين شأنا ثقافيا سياسيا، وليس دينيا،فلا شأن لأي مؤسسة دينية إسلامية أو مسيحية بإعادة كتابة وفهم التاريخ بشكل يستعيد ما تآكل من سمات الشخصية المصرية.. كيف لبلد أن يبدد بسفه ثروة ثقافية أقوى من السلاح النووي لو تم استدعاؤها وتوظيفها توظيفا صحيحا فنا وتعليما وتسامحا.. في الريف المصري وإلى اليوم تتردد الأمثال الشعبية المأخوذة من الشهور القبطية والفولكلور القبطي وهي دليل آخر على وحدة الوجدان المصري، ومنها «طوبة يخلِّي الصبية كركوبة»، «أمشير أبو الزعابير،كياك.. صبحك مساك.. جهِّز عشاك ويا غداك»، «برمهات روح الغيط وهات»، وهي أمثال  يرددها الفلاحون المصريون إلى الآن، حيث تعتمد مواسم الزراعة على شهور السنة القبطية..يمتعنا الفولكلور الغنائي الشعبي المصري بدور «يا بهية وخبَّريني مين قتل ياسين» والتي تأتي وزنا ومعنى من الفولكلور القبطي الذي غنى للعذراء «يا مريم خبّريني مين قتل يسوع/ قتلوه اليهود فوق الصليب مرفوع».

وفي كتاب الأمثال الشعبية للكاتب الكبير أحمد تيمور باشا مايوضح بجلاء امتزاج الوجدان المصري لدى الأقباط المسلمين أو الأقباط المسيحيين ( قبطى تعبير عن قوم وليس ديانة ) في سخريتهم من الذين يظهرون الإيمان ويفعلون ما يناقضه ومن ذلك : «جوة الكنيسة قديس وبرا الكنيسة إبليس» و«عاملة في الكنيسة مصلية وهي شيخة الحرامية»، وهي أمثال أعاد إنتاجها المصريون المسلمون فيما بعد مثل «عاملة في الجامع مصلية وهي شيخة الحرامية» و«يصلي الفرض وينقب الأرض»، «بُق يسبّح وإيد تسرق».

قضية الفولكلور القبطى وأهمية جمعه والتعبير عنه كجزء من نسيج الثقافة المصرية يجب أن تأخذ حقها من الاهتمام – وهذا هو الدور الغائب لكافة المؤسسات التعليمية والثقافية والبحثية في مصر.