رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

لأسباب كثيرة يفترض أن تكون أنشطة مجلس النواب من بين اهتماماتى الرئيسية، غير أن ذلك للأسف لا يتم، ولذلك أشعر فى كثير من الأحيان بأننى منعزل عما يحدث على صعيد ما تثيره أعمال المجلس والقضايا التى يناقشها من جدل، خاصة فى ضوء حقيقة أنها قضايا تقع فى صلب اهتمامات المواطنين.

فى تقدريرى أن سبب هذه الحالة لدىّ شخصيا وربما لدى آخرين أيضاً، هو الشعور العام بأن المجلس ربما لن يأتى بجديد، أو بتعبير آخر لن يحقق اختراقا على صعيد القضايا التى يناقشها خاصة أن الكثير منها قضايا مزمنة لا ترتبط بنظام حكم أو بأداء مجلس نواب أو حتى حكومة أو غير ذلك من أسباب، وإنما هى تعود فى جزء أساسى وأصيل منها إلى طبيعة الشخصية المصرية. هذا فضلا بالطبع عن الاتجاه العام للمجلس الذى تغلب عليه سمة التوافق مع الحكومة حتى يمكن القول أنهما – المجلس والحكومة – أقرب لأن يكونا شيئا واحدا وليس شيئين! الأمر الذى يراه كثيرون جزءا من طبيعة المرحلة.

على هذه الخلفية لفت نظرى بشكل كبير موقف رئيس المجلس الدكتور على عبدالعال الأسبوع الماضى خلال مناقشة استجواب بشأن الشهر العقارى وأوضاعه. أعترف بأننى شعرت بقدر كبير من النشوة والانبساط لنبرة رئيس المجلس وتمنيت لو أنها سادت بشأن مختلف القضايا التى يناقشها المجلس، فهى نبرة تسودها لغة واضحة محددة حازمة قوية تعبر عن الشخصية التى يجب أن يكون عليها المجلس ورئيسه فى مواجهة القضايا التى تشغل المواطن. صحيح أن الدكتور على عبدالعال ربما يكون بدا مستنفرا ومستفزا فى الوقت ذاته، ومعه كل الحق، لكن الرجل – وهذه شهادة لا أستطيع كتمانها – قدم موقفه على أفضل ما يكون وكان أفضل محامٍ عن القضية التى يعرض لها ويناقشها المجلس وهى أوضاع الشهر العقارى.

بالطبع لم يخل التعليق على موقف رئيس المجلس ولن يخلو من محاولات البعض الاصطياد فى الماء العكر بإشارة فريق من هؤلاء إلى أن موقف الدكتور على عبدالعال ليس بريئا وأنه يأتى على خلفية رغبة الدولة فى «ترتيبة» خاصة للشهر العقارى ترفع من خلالها أسعار خدماته للمواطنين، مستشهدين فى ذلك بالمشروع الذى قدمته الحكومة فى هذا الصدد الذى أعلن رئيس المجلس وقفه لحين الفصل فى تبعية الشهر العقارى لوزارة العدل. هذه أشياء ربما نكون قد اعتدنا عليها من أصحاب هذا التوجه، لكن قد يكون من الأفضل، حتى لو صحت تخمينات أمثال هؤلاء وشوشرتهم على هذا الموقف الرائع لرئيس المجلس، أن نرى نصف الكوب المملوء وليس الفارغ.

هذا النصف المملوء من كوب موقف رئيس المجلس يشير إلى أننا على أعتاب خطوة توقف مهازل طالت معاناة المواطنين إزاءها على مدى عقود واستفحلت حتى أصبح المواطن يتعايش معها وكأنها جزء من متطلبات الحياة. وإذا كان من الصحيح أن أوضاع الشهر العقارى لا تنفصل عن الأوضاع المصرية العامة من سوء وإهمال وفساد ورشوة لكن المشكلة أن تجاوز تلك الحالة ربما يكون من أيسر الأمور وأكثرها سهولة إذا كنا نطمح بحق لأن نقدم صورة مختلفة لما يحلو للبعض بوصفه بـ«مصر الجديدة».

بعد أيام من حديث الدكتور عبدالعال ذهبت للشهر العقارى بالحى السادس بمدينة أكتوبر لإتمام معاملة وهالنى ما لمسته من انعدام آدمية الإنسان المصرى، حيث تم حشر العشرات من المواطنين – وهو أمر يومى – فى مكتبين ضيقين، وسط صراخ وعويل وشجار واحتكاك وزحام يذكرك بذلك الذى كان يتم فى طوابير الجمعية سبعينات القرن الماضي!

لا أخفى شعورى بالحزن والحنق على ما وصل إليه حالنا، وهو ما رأيته يبرر ثورة الدكتور على عبدالعال على أوضاع الشهر العقارى. تجسدت لى فكرة كنت أرددها بينى وبين نفسى بأننا فى مصر نتقدم بحق وحقيقى ولكننا نتقدم للخلف!! كان السؤال الذى يتردد صداه فى أذنى وماذا تخسر الدولة – سواء كانت وزارة العدل أم غيرها – من إقامة مكاتب شهر عقارى توفر مناخا كريما للمواطن لا تتحول معه عملية القيام بتوكيل أو تسجيل ملكية أو أى إجراء من هذا القبيل إلى رحلة عذاب وتعذيب.

عندما تأملت الموقف شعرت بأن حماسى لطرح الدكتور على عبدالعال ليس من فراغ وإنما من تجربة شخصية عايشت معها معاناة تسجيل عقارى ولأنى أحب السير منضبطا، كما يقول الكتاب، فقد ذقت الأمرين وتبت وندمت على ما فعلت وعلى ما بدر منى من تفكير فى تسجيل هذا العقار، الأمر الذى يمكن حال تيسيره أن يوفر للدولة المليارات بدون مبالغة يدفعها المواطن بنفس راضية لأنه بذلك يضمن حقه وعدم التنازع عليه.

فى كل ما ذكرت لم أشر من قريب أو من بعيد إلى موظفى الشهر العقارى الذى يعتبرون جنودا مجهولين فى رحلة المعاناة ويتحملون نقمة المواطن ولعناته رغم أنهم لا حول لهم ولا طول. ورغم يقينى بصعوبة المهمة إلا أننى أتمنى من كل قلبى أن ينجح الدكتور عبدالعال فى تحقيق رؤيته رغم المهلة المحدودة التى منحها للحكومة لإصلاح أوضاع الشهر العقارى ليكون بذلك قد استطاع تحقيق اختراق ربما ترونه بسيطا وأراه ضخما.. حتى لو كان هو إنجازه الوحيد خلال رئاسته للمجلس.

[email protected]