رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مقال الأستاذ الدكتور محمد كمال ـ أستاذ العلوم السياسية بالمصري اليوم (عدد الاثنين الماضى)  والذى حمل عنوان «جيل لا نعرفه» أراه من أهم المقالات التي تحرك العقل وتحفزه على البحث والتقصى..  المقال كان مفسرا وشارحا لنتائج استطلاع رأى الشباب العربى في التعليم والدين والنظم السياسية والصحة النفسية والمخدرات وأمور أخرى، وهو كما أشار اليه أستاذنا الفاضل نصاً،  مشروع تقوم به إحدى المؤسسات البحثية الخاصة بشكل سنوى منذ أحد عشر عاما، وأجرى استطلاع هذا العام فى ١٥ بلدًا عربيًا، واحتفت به العديد من المؤسسات المرموقة، ونظم معهد العلاقات الدولية البريطانى (شاتم هاوس)، ندوة خاصة لمناقشة نتائجه.  خلص المقال حسب ما ورد باستطلاع الرأي الى أن مطالب وأحلام الشباب العربى ليست متطرفة أو ثورية، ولكنها طموحات جيل واقعى، لا يؤمن بالمثاليات الزائفة أو القادة «الكاريزميين» الذين احتفى بهم آباؤهم.

نتائج الاستطلاع في  مجملها ليست صادمة بالنسبة لي لأننى على يقين من سنوات خلت أن الكثير من مشاكلنا في مصر والعالم العربي ليست بسبب فقر الموارد وانما بسبب فقر الفكر والخيال وانعدام الرغبة لا القدرة في احداث فعل جديد يغير الواقع المتهالك.. حين تضرب الخرافات والخروقات عقل أي أمة وضميرها، فهى اذًا أمة تنتحر في المكان وتهرب من التاريخ.. واستلهاما لما وراء النتائج  فإنني مثلا أرى أن الشباب الذين ثاروا ويثورون فيما يعرف بالربيع العربي لم يخرجوا للميادين بمشروع سياسي يطرحونه بديلا للقائم، ولم يرفعوا شعارات اسقاط النظم لأنهم كانوا جاهزين بأنظمة بديلة، ما أراه وأفهمه حتى اللحظة أن الشباب في العالم العربي دفعتهم - ولاتزال - لميادين الغضب مشاعر قاسية بانعدام العدالة و بالعزلة والاغتراب عن مجتمعات قديمة أصابتها بالشلل الدماغي مؤسسات دينية وسياسية رغبت في تجميد عامل الزمن والانتهاء بالتاريخ يوم بدأت هي الامساك بالسلطة سواء الدينية أو الزمنية.

في الدول التى أصابت حظا عظيما من التطور يبدأ فصل جديد من التاريخ مع بداية تسلم أي حاكم للسلطة في بلده - في العالم العربي مازلنا نسبح ضد تيار المنطق بحيث ينتهي التاريخ أو يتوقف عن الدوران والحركة مع اللحظة الأولى التى تؤول فيها السلطة لفرد أو عائلة أو جماعة.. بالتبعية تنفصل أجهزة التنفس عن الشعوب ويطاردها الموت أو الشعور به في كل لحظة، لأن التاريخ ببساطة توقف عن تسجيل الحوادث وأدخل غرفة مغلقة، ولن يعود لفاصل قصير من الدوران والحركة خارج المكان الا في المسافة بين نظامين أو رجلين أو فصيلين.. من هنا تتجلى أزمة الشباب لأنه بطبيعة  عمره  وفوران مشاعره واستعجاله الاتيان بمستقبل لم يولد، ومغادرة ماض يأبى الموت - هو أول من تدفعه عواصف الغضب الي ميادين لا يدرى ماذا يفعل بعد أن يغادرها مرددا شعارات للنصر تتكسر وتموت قبل أن يعود الي فراشه.. أزمة اليقين الديني وانعدام الثقة بالحاضر والموت اغترابا في حضن المكان والزمان - كل هذا  تحول من شروخ صغيرة الي انكسارات كبيرة.. يقول المفكر السوري دكتور محمد شحرور أحد أبرز مرجعيات استطلاع رأي الشباب العربي  «إن هـذه الأجيـال الشـابة، التـي مكنهـا التطـور الحضـاري مـن مواكبـة كل مـا يـدور فـي العالـم، لـم يعـد يسـعها مـا وسـع قبلهـا مـن إرث ثقافـي دينـي، صيـغ فـي القـرن السـابع الميـلادي. إنهـا أجيـال تعيـش حـالا مـن الضيـاع والتيـه بسـبب مقارنتهـا بيـن مـا ورثتـه وبيـن مـا فتحـت أعينهـا عليـه مـن علـوم ومعـارف. وإن كان مـن السـهل عليهـا، للخـروج مـن هـذه الحـال، التنـازل عـن الديـن، لكنهـا ترفـض ذلـك مـن منطلـق قناعتهـا بدينهـا وبأنـه ديـن ربانـي أنـزل مـن فـوق سـبع سـموات، غير أنهـا ليسـت قـادرة علـى فهـم موطـن الخلـل فيمـا ورثتـه».. انها باختصار أزمة يقين بالدين والدنيا تفرض على أي ضمير وطني مخلص أن يعتبرها خطرا قوميا وجوديا لن يحتمل الانتظار طويلاً.