رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

هناك مثل مصرى شعبى دارج يعبر عن حالة غضب عارمة لدى صاحبه وتعنت بالغ أقرب إلى تصلب الدماغ يقول: «اللى مش عاجبه يشرب من البحر». ومن يتلقى المثل لا بد أن يلمس أن قائله أقرب إلى تمترس الرأى وعدم التزحزح عن موقفه قيد أنملة بما يعنى أنه يجب على الطرف الثانى الإنصياع وإلا! وربما يقترب من هذا المثل قول القائل: اخبط دماغك فى الحيط!

أى مصرى يتابع ما يجرى على صعيد قضية المياه لابد أنه مستعيد لهذا المثل، الشرب من البحر، والذى أصبح حقيقة واقعة، ولا بد فى الوقت ذاته أن يخرج بقناعة فى النهاية أن الإنسان جبار وأنه قادر على تطويع الطبيعة لصالحه وإلا لما كان ذلك المثل الثالث وهو غير مصرى والذى يقول: «الحاجة أم الاختراع»!

ربما يبدو هذا المدخل البسيط والساذج غير مناسب لأهمية القضية التى تتناولها هذه السطور، لكن كما أن الحاجة أم الاختراع، فإن الكتابة لها مقتضياتها وأحوالها ومداخلها، ومن يمارسونها هذه الأيام يعلمون ذلك. فى ذهنى باختصار تلك العملية الهائلة التى تقوم بها مصر حاليًا لتحلية مياه البحر، وهى العملية التى حققت قفزة كبيرة أبسط توصيف لها هو القول: إننا نعيش «ثورة تحلية مياه»، والتى تمثل خطة تعميم مياه البحر المحلاة فى المحافظات الساحلية (عدد سكانها 17 مليون نسمة تقريبًا)، حسبما أعلن الرئيس السيسى خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة الأسبوع الماضي، أبرز تجلياتها.

أنا على يقين أن الموضوع سيكون فى ذهن الكثيرين مثير للجدل، وهو كذلك بالفعل، لكن أهمية هذه الخطوة فى ذهن القائم على القرار فى الدولة ربما تأتى من حقيقة إدراكه لحجم الفقر المائى الذى تواجهه مصر ومن المنتظر أن تواجهه فى المستقبل القريب إذا لم تتحرك من الآن لتوفير بدائل وخطط مختلفة ومتنوعة للحد من هذا الفقر إن لم يكن تجاوزه والبقاء فى حالة الرفاه المائي.

بالأرقام نشير إلى أنه حتى عام 2014 فإن ما كان يتم تحليته من مياه البحر لم يكن يتجاوز 78 ألف متر مكعب، تضاعف ثلاث مرات بعد عامين ليصل إلى 254 ألف متر، فيما وصل هذا العام حسب الرئيس إلى مليون ومائتى ألف متر مكعب يوميًا، وإن كان رئيس الوزراء قد أشار إلى نحو 800 ألف متر، أى أن مصر يمكن أن تقوم بتحلية أقل من نصف مليار متر مكعب مياه سنويًا، وهو قدر بالغ الضآلة مقارنة بحجم المستخدم فى مياه الشرب والذى يقدر بـ9 مليارات متر مكعب سنويًا. 

تبقى عدة ملاحظات أساسية يجب الإشارة إليها بشأن هذا البديل أو التوجه لا بد من وضعها فى الاعتبار لدى كل مهتم به سواء على مستوى الدولة أو على مستوى حتى المواطن العادي. الأولى أن تكنولوجيا تحلية المياه خيار لا بد منه لمصر كأحد الخيارات الموازية ضمن مجموعة حلول أساسية لمواجهة النقص المائي، وأنه كلما تم التوسع فى هذا الخيار قلت التكلفة وكانت الإستفادة أعلى. صحيح لا يوجد رقم محدد حول تكلفة التحلية للمتر المكعب حيث تتراوح التقديرات بين دولار– 16 جنيهًا– حسب إفادة نصر علام، وبين 7 جنيهات حسب مصادر أخرى وأدناها 3 جنيهات، لكنها مكلفة بما يجعلها غير اقتصادية، وإن كانت تحتمها الضرورة.

ويكفى للدلالة على ما نقول الإشارة إلى الأرقام التى أعلنها الرئيس خلال الندوة وهى ضخمة، وإن كانت ليست كلها لتحلية المياه وإنما للتعامل مع القضية فى مجملها بما فى ذلك معالجة مياه الصرف الصحى، حيث تقدر بنحو 200 مليار جنيه سترتفع العام المقبل إلى 300 مليار ومن المنتظر أن تصل خلال سنوات إلى 900 مليار.

الملاحظة الثانية أن التحلية ليست حلًا شاملًا وإنما هى حل مساند أو مساعد، وإذا كنا استعنا فى البداية بمثل شعبى فإننا هنا نشير إلى أن أفضل توصيف للاستعانة بالتحلية أنها بمثابة «النواة التى تسند الزير». والمنطق الذى تقوم عليه الرؤية التى نقدمها طرحها الخبير فى قضايا المياه الدكتور نادر نورالدين، حيث أشار فى أحد أحاديثه إلى أنه مهما توسعنا فى تحلية المياه وأقمنا محطات بطول ساحل البحر المتوسط وأخرى بطول ساحل البحر الأحمر واستعنا، بتعبيره، بأموال النفط السعودية، فى إشارة إلى ضخامة التكلفة، وظللنا نحلى مياه على أنفسنا، فإن الكمية المنتجة لن تتجاوز 5 مليار متر معكب ، أى «نقطة فى بحر» الاحتياجات المصرية من المياه. ويعزز هذه الرؤية أن حجم المياه المحلاة على مستوى العالم كله لا يتجاوز 28 مليار متر معكب تقريبًا. 

الملاحظة الثالثة أنه يجب ألا يرد فى ذهن أيًا كان أن ذلك الحل مهما عظم شأنه يمكن أن يعنى بأى حال من الأحوال التفريط فى قطرة من مياه النيل، ونسوق فى ذلك ما أكد عليه رئيس الوزراء مدبولى فى واشنطن أمس الأول من أن المسألة بالنسبة لنا حياة أو موت، وان المعركة الدبلوماسية مع إثيوبيا بشأن سد النهضة يجب أن تصل إلى آخرها.

الملاحظة الرابعة والأخيرة ألا يمكن، بالمزاوجة بين أولويات الإنفاق وإلحاح الحاجة للمياه، التفكير فى سيناريوهات بديلة للتحلية تقوم على استغلال المياه الوفيرة فى دول حوض النيل والتى تتجاوز سنويًا ألف مليار متر معكب تذهب سدى.. هذا الأمر ربما يكون موضوع حديث آخر تقصر المساحة هنا عن التفصيل فيه.

[email protected]