رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

حينما تنظر لحال مجتمعاتنا، أو إن استمعت لنقاشات الناس وتحليلاتهم لأى أمر من الأمور، تتعجب وتتمنى داخل نفسك أمنية غالية وهى أن يرى الناس الحقائق بعيدًا عن العاطفة، أن يفصلوا الأهواء ولغة المصالح عن الإدراك العقلى للأمور، وأن يصدروا أحكامهم وفقًا لقواعد المنطق السليم استنادًا لأمر واحد فقط وهو رؤية الحقائق مجردة، رؤية موضوعية ثاقبة دون تدخل من العاطفة.

فإقحام العواطف والأهواء الشخصية سواءٌ أكانت تحمل مشاعر إيجابية كالحب، أو مشاعر سلبية كالكراهية مثلًا، لا شك أنه يؤثر فى مصداقية الأحكام ويشوش الصورة بشكل عام ويُنتج لنا معلومات مبتورة وأحكامًا مشوهة وتحليلات منقوصة.

ويظهر ذلك جليًا فى تقييم البشر لبعضهم البعض، فيغلب على المتحيز منهم فى تقييمه لأحدهم نزعة عاطفية شرسة تترك أثرها على الأحكام، فإن كان يحبه فستجده يمدح فيه حتى لو كان الممدوح شخصًا مؤذيًا بالفعل يستغيثُ منه الناس ويستجيروا، أما إن كان يكرهه فينحدر التقييم إلى درجة الصفر تقريبًا، فلا يرى فيه حسنة تُذكر، فيُنكر كل مزاياه، ويستبعد كل إيجابياته فلا يذكر غير عيوبه ومساوئه، وللأسف الشديد قد يكون المذموم والمُدّعى عليه كذبًا شخصًا طيبًا، وكل ما قيل فيه طعنٌ فى حقه وانتقاصٌ من قدره بلا ذنب قد اقترفه، غير أن علاقته متوترة بمن ادّعى عليه بالباطل.

وليس ذلك فقط، لا، فإن واجه مُنصف المتحيز بخطأ أقواله وردّ عليه كلامه بل وذكر له أحد المواقف الإيجابية للمطعون ظلمًا فى حقه، إلا وقد رأيت المتحيز وقد هاج وماج، وبدأ فى إدخال المنصف فى دائرته المشوشة والممتزجة بأحكامه العاطفية غير المنطقية ثم يبدأ وبمنتهى الجرأة غير المسئولة فى توجيه الاتهامات له، أكبرها التشكيك فيه لأن بينك وبينه مصالح مشتركة، وأقلها أن يتهمه بالطيبة المفرطة وأنه شخص معدوم الخبرة فى فهم الناس وتمييز شخصياتهم وطبائعهم، وكل ذلك لأنه منصف قرّر ألا يصمت عن حق مهدور.

وإن حاصره المنصف بكلامه الحسن عمّن يكرهه ولم يستطع هذا المتحيز العنيد أن يفرّ منه أو أن يقنعه برأيه المشحون بعاطفته، فتجده وبأسلوب شرس جدًا يبدأ فى ترجمة كل ميزة أو فعل طيب- ذكرها له المنصف عن الشخص الذى يكرهه- إلى النقيض تمامًا، فيبدأ فى التشكيك فى نوايا من يكرهه وكأنه شقّ عن جوفه وبحث فى نواياه، ويدّعى أن كل طيب فعله ليس نابعًا من داخله ولم يفعله بحسن نية، ولكنه فعله ليخدع الناس به أو ليُصدّر صورة مزيفة غير حقيقية عنه، والخلاصة فالمنصف لن يفلح فى إقناعه أو التغلب على جداله الشرس حتى لو كان منطقيًا وموضوعيًا فى أحكامه، فالجدال لن يصل لشيء.

ومن المؤسف حقًا أن الموضوعيين فى مجتمعاتنا هم القلة القليلة، فلغة المصالح والعلاقات الشخصية صوتها أعلى من لغة العقل والمنطق، فالحقائق للأسف قد ينجح المتحيزون فى إخفائها ببراعة لا يُحسدون عليها ويجرون الناس إليها جرًا.

نحن فى حاجة ماسة إلى الموضوعية والموضوعيين لنرى الحقائق نزيهة وشفافة بعيونهم وعقولهم، لنستمع إلى التحليلات العقلانية التى تخرج من أفواههم بعد أن اختمرت بعقولهم دون الاقتراب ناحية عواطفهم، فالموضوعية سبب تقدم الأمم، فلا ننسى أن الغرب بموضوعيته استفاد من ابن رشد وابن خلدون وابن سينا.

علموا أولادكم أن ينصروا الحق أيًا ما كان أصحابه، وأن يقولوا الحقيقة حتى ولو على حساب المصالح، وإن كانت ضد الهوى حتى ولو لم يذكرها الجميع.     

[email protected]