رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

يسترعى انتباهى كثيرًا أمر المصداقية خاصة فى وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، أو بقولٍ آخر أتعجب بشدة ممن يُنصبون أنفسهم أو يعتقدون فى أنفسهم أنهم مُلاّك للحقيقة، هم فقط من يعرف كلمة سرها، هم بمفردهم المُطلعون على كافة زواياها، والكاشفون لكل خباياها، والماسكون بخيوطها وأدواتها أو المدركون لحيثياتها.

فكثيرًا ما أقرأ مقالات للزملاء من الكُتاب والصحفيين، فأقف عند نوعية خاصة منها وهى محور القول هنا، وهى المقالات التى يدافع فيها صاحبها عن شخص بعينه تحديدًا وقع عليه نوع من أنواع الظلم فى نطاق عمله مثلًاـ على حد قوله- فلجأ المظلوم للكاتب أو الصحفى واشتكى له ما حلّ به من وباء الظلم على أمل أن يُخلصه منه أو ينشله من براثن الظلم الكريهة السوداء.

ولا يرى سبيلًا لذلك- وأقصد المظلوم- إلا بنشر مظلمته على الملأ وأمام العامة لعلّ الظالم يخشى من فضح نفسه فيجنح للسِّلم ويتراجع عن ظلمه ويعود للحسنى، فيلجأ كما ذكرت للكاتب أو الصحفى ليساعده مستخدمًا فى ذلك منبره الإعلامى المتاح له.

وبالطبع يدافع الصحفى أو الكاتب عن المظلوم بذكر الظلم الذى تعرّض له من يدافع عنه، بالإضافة إلى فضح الظالم والمطالبة بمعاقبته وعلى وجه السرعة.

وهنا تكمن الخطورة!، وكلامى هنا للصحفى أو الكاتب، إذ كيف لك أن تتخذ منهج من يقول بأنه المظلوم وتُصدقه فيما يقول بهذه البساطة، أو بتعبير أدق: من يضمن لك أنه هو الطرف المجنى عليه أو المظلوم كما يقول؟

ما أدراك أنه صادق؟ وما الصفة الأكيدة التى أسست عليها حُكمك عليه فى كونه صادقًا فيما يقول أم لا؟ أليس هناك احتمال ولو كان ضعيفًا كونه كاذبًا، بل ومُضللًا يعكس الحقيقة ويستخدمك فى ذلك؟ ويجعلك وسيلة لنشر الظلم وأنت تعتقد فى نفسك أنك تُنصفه وترفع الظلم عنه، أليس هناك احتمال آخر أن يكون هذا الشخص مدّعيًا لظلمٍ قد أصابه، ولكنه فى الحقيقة ليس بظلمٍ وما هو إلا جزاء له ورد فعلٍ سليمٍ على خطأ قد ارتكبه فى جهة عمله وأنت لا تدرى بكافة الجوانب؟ لِمَ التسليم الكامل بلا شروط على صحة كلامه، وهناك احتمالات كثيرة تفتح مجالات للشك وأبواب للارتياب؟

الحقيقة صعبة، والوصول لها ليس بالأمر البسيط أو الهيّن، فلا نعلمها إلا إذا امتلكنا جميع أدواتها، لها زوايا وجوانب عدة، ولكى تُعبِّر عنها لابد لك وأن تَعبُرَ بكل زواياها وتمر بكل جوانبها مرورًا تفصيليًا مُحكمًا.

فلاشك أن للحقيقة تفريعات عميقة قد تخفى على معظم الناس، وليس شرطًا على الإطلاق أن تنساب الحقائق من أفواه المتكلمين حتى ولو عَلَت أصواتهم وهلّلوا، أو حتى لو بالغوا فى الوصف والتقدير، أو حتى لو ظهرت على ملامح وجوههم علامات من الأسى أو إشارات تحمل معانى الوجع والألم، فما أدراك أن كل ذلك مجرد حِيَل لتُخدَع أنت بها وتعتقد أن ظلمًا مريرًا قد أحلّ بهملكى تُسرع فى رفعه عنهم.

فالحقائق لا تتكشف هكذا ولا يظهر نورها بمجرد أن ينطقها أو يتداولها الناس، ولا تُصدق كل الكلام وتُجزم بصحته حتى وإن سبقه جمع كبير من الأيمان المغلظة والرجاءات المشددة والتى تستجديك لكى تصدق، فما أكثر البارعين فى الكذب والغش والتدليس والتزييف.

إن أردت التعرف على جزء من الحقيقة فاسأله عن الدليل كأبسط الأمور، وكما يقول القانونيون الإثبات يأتى من الدليل والحكم يصدر وفقًا لمقدار الأدلة اللازمة ونوعيتها التى يمكن الاعتماد عليها أو النظر فيها، فالدليل لغةً هو المُرشد، وقانونًا هو الحُجّة والبرهان وما يُستدل منه على صحة الأقوال وصدق الكلمات.

المصداقية يا سادة لها أصول، ومعرفة الحقيقة حرفة تستوجب الجهد الكبير للتوصل إليها، وإلا ستتحول لمجرد مُردّد للأكاذيب أو ناقل للإشاعات وأنت لا تدرى!

[email protected]