رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مذكرات ابن الولد الشقى يكتبها:

خلال الجولة التى فرضت على أسرة الولد الشقى السعدنى الكبير فى المنفى بعد مجىء الرئيس السادات إلى سدة الحكم، ذهبنا إلى دولة الإمارات، ثم إلى الكويت، ومنها إلى حيث عرفنا طعم الاستقرار فى العراق الجميل، هناك كانت الأبواب مفتوحة لكل العرب فالدخول بدون تأشيرة والمراحب على أشدها بكل أخ عربى أبى.. والإقامة والعمل والدراسة متوفرة للجميع وهكذا التقى الشامى بالمغربى فى الشارع العراقى، وفى الجامعة كان كل العرب ممثلين داخل كلية الإدارة والاقتصاد التى درست بها، فكان السورى والمصرى والليبى والسودانى والفلسطينى والتونسى والمغربى والكويتى والسعودى واليمنى واللبنانى زملاء لنا فى نفس الجامعة، والحق أقول إننى لمست كيف كان للفن المصرى أبلغ الأثر فى نفس ووجدان كل هؤلاء العرب.. فقد كانت أدبيات حزب البعث العربى الاشتراكى تؤكد على أن البعث وحده هو الكيان المؤهل لقيادة العرب بعد انتهاء ظاهرة ناصر والتعاطف مع منظمة التحرير وحركات الإسلام السياسى، وأنه لم يعد للعرب أمل سوى البعث العراقى وقادته الكبار أحمد حسن البكر وصدام حسين.. أقول كان كل الطلبة العرب لا يفهمون شيئاً إذا تحدثوا بعضهم إلى بعض فهناك لهجات عربية فى حاجة إلى مترجم لكى يفك ألغازها.. وهناك لهجة عربية فى حاجة إلى ملاكم من نوع تايسون لكى تتفاهم بها مع الآخرين.. ولذلك كانت اللهجة المصرية هي اللغة المشتركة بين هذا الخليط العربى الذي يلح عليه البعث العراقى بقيادة يفرضها عليه بالعافية في الوقت الذي كانت مصر تسكن قلوب الجميع وعقولهم دون قيد أو شرط.. أما أكثر العرب عشقاً لمصر ولهجة أهل مصر وفنانى مصر وكتاب مصر وأدباء مصر وإعلام مصر وكل ما يتعلق بمصر، فأشهد أنهم أهلنا فى تونس الخضراء.. هذه البقعة الرائعة من أرض العرب الصغيرة الحجم الكبيرة الأثر فى محيطها العربى.. الأشقاء التوانسة هم فى غرام وهيام مع كل ما هو مصرى لدرجة أننا عندما كنا نتكلم معهم لم يكن أحد يقاطع أو يسأل، واكتشفت أنهم يريدون من زملاء لهم من مصر أن يتحدثوا ويطيلوا الحديث باللهجة المصرية وكأننا نغنى لهم بما يطرب القلوب ويبهجها.. ولذلك فهم أيضاً وقعوا فى غرام كل زعماء مصر دون توجيه أو تعذيب أو إغراء، كانوا يحبون باعث القومية العربية جمال عبدالناصر وكانوا يعشقون السادات أعظم من سحرهم بحديثه، وأضحكهم من أعماق قلوبهم، أما المصرى الأكثر تأثيراً فى نفوس كل العرب فكان بلا شك هو عادل إمام، هذا الفنان الاستثنائى فى كل تاريخ الفنون ليس فى مصر فقط ولا فى عالمنا العربى، ولكن فى العالم أجمع.. حيث لم يتربع نجم فى تاريخ دولة الفن على العرش منفرداً لأكثر من خمسة عقود من عمر الزمان.. إذا فتحت قلوب العرب فستجد أن المساحة الأكبر داخلها هى لعادل إمام.. ولم يكن غريباً أن يلقى عادل إمام كل التكريم من مغرب العرب فى تونس والمغرب والجزائر.. وان كانت تونس قد أفرطت فى التكريم فهذا شأنها على مر العصور مع النوادر من أهل الفن فى مصر.. أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم.. فقد حرص كل حكام الخضراء على تكريم أهل الفن فى مصر وكان آخرهم الرئيس قايد السبسى رحمه الله الذى استقبل نجم مصر الكبير، ونسى مهماته الجسام، وهو فى حضن عادل إمام واستعاد معه تفاصيل واحدة من أخطر ما قدم الفن المصرى من تشريح لحالة المواطن المصرى الطيب البسيط المسالم وكيف تغير مسلكه وطبعه بفضل الخوف.. ولا يخفى على أحد أن عدد أهل الفن الذين جاءوا من هذا القطر العربى التونسى الصغير الحجم ربما يفوق فى عدده وإمكانياته ما جاء من معظم بلاد العرب لينضموا إلى قافلة الفنون والجنون فى بر مصر والشىء الأعجب أنك لن تشعر على الإطلاق بأنهم جاءوا من خارج الحدود، بل سوف نقسم انهم ولدوا وتربوا وترعرعوا داخل حوارى وأزقة مصر.. وعندما هبت رياح عاصفة أرادت هدم بنيان الكتل العربية الصلبة وأطلقوا عليها اسم الدلع الربيع العربى كانت تونس منبع هذه الموجة التى اتخدعنا فيها، ولكنها فى البدء بدت بريئة طيبة النوايا حسنة الأهداف.. وقد اطلقوا عليها فى تونس اسم طيب الرائح عطر الوقع.. ثورة الياسمين.. وهبت رياح الياسمين لتطير من تونس إلى مصر مباشرة بعد أن قدم شاب تونس طيب بسيط الحال اسمه البوعزيزى روحه قرباناً لهذه العاصفة التى ستضرب مصر وسوريا وتونس وليبيا واليمن والجزائر. ومضى وقت طويل حتى التأم الجرح، واستعدنا دولاً كادت تنجرف إلى الدمار الشامل، ولله الحمد وقفت مصر على قدميها بفضل وعى المصريين وحرصهم على الدولة الأقدم وسط الكون بأكمله، ثم بدأ الصف العربى ينعدل حاله، ولكن فى مرحلة الخطر سيطر الإخوان فى ذلك القطر العربى أولاً على مقاليد السلطة، ثم تبعه إخوان مصر، وهنا كان على أهل مصر ان يصححوا الأوضاع ويعيدوا إلى تونس طبيعتها الطيبة الودودة فأنهى أهل مصر وجيش مصر هذه المهزلة التاريخية وكان على دوامة التصحيح أن تتمدد وتنتقل إلى تونس وينتهى هذا الكابوس الذى حل بالأمة بفضل خيانة حكام جزيرة كل ما تملكه آبار غاز ومحطة فضائية.. وأتصور أن مجىء قايد السبسى إلى سدة الحكم كان لما جرى فى مصر شأن عظيم فيه، فلولا «30 يونيه» ما انصلحت أحوال هذه الأمة أبداً.. وأعود إلى الرجل الطيب العاشق لمصر شأنه شأن كل تونس، وأستعيد ذلك المؤتمر الذى احتضنته تونس للقمة العربية، والذى حضره الرئيس السيسى ودون كل رؤساء عالمنا العربى كان للسيسى احتفال خاص وفريد من قبل الرئيس التونسى..الذى حيا مصر فى شخص رئيسها عن طريق ما تركته الفنون والآداب من أثر فى حياة وقلب وعقل التوانسة، فاستعاد الرجل كلمات حافظ إبراهيم وهو يقول:

كم ذا يكابد عاشق ويلات..

فى حب مصر كثيرة العشاق

لقد كشف الرئيس التونسى عن خبيئة أثرية سكنت وجدان أهل تونس جميعاً والعرب أجمعين لهذه التدفقات من النوابغ والنادرين من أهل الفن شعراً وأدباً وموسيقى وغناء وتمثيلاً وصحافة وإعلاماً وتاريخاً وجغرافيا خص المولى عز وجل بها مصر.. فإذا بأسماء بعض هؤلاء النابهين تزين شوارع وميادين أنحاء متفرقة من عالمنا العربى الكبير، ولكنها فى تونس كان لها النصيب الأعظم، ويا أيها المواطن العربى التونسى الجميل العاشق لمصر وأهلها وتراثها.. نسأل الله لك الرحمة والمغفرة ولهذا البلد الجميل الذى شرفت برئاسته التقدم والازدهار ولشعب تونس بالسلامة والاستقرار.

ألف رحمة ونور على قايد السبسى.