رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صفحات من الزمن الجميل (١٢)

- فى عصر يوم الجمعة ٣١ مارس ١٩٦٠ اتصل بى الأستاذ مصطفى أمين من القاهرة وطلب منى أذهب إلى نوال زوجة السفاح، ونفتح أنا وهى راديو القاهرة على نشرة الساعة الخامسة، حيث سيذاع خبر هام، قلت فى داخلى أكيد السفاح وقع فى قبضة الشرطة.

- ذهبت إلى بيتها وتعجبت.. الحراسة لم تدقق فى عملية الدخول كما كان يحدث معى يوميًا وأنا أسجل معها مذكراتها «للأخبار».. لقد طرقت الباب وبعد أن دخلت سألتنى من هو «عز العرب عبدالناصر»، قلت لها هو شقيق الرئيس عبدالناصر ويرأس مكتب صحيفة الجمهورية بالإسكندرية.. ثم ماذا تريدين منه، قالت هو اللى عايز منى، لقد أرسل الصحفيين بتوع الجمهورية ومعاهم ٥٠٠ جنيه علشان أنزل تكذيباً لكل ما ينشر عندكم فى «الأخبار» وأقول إن الكلام المنشور فى جريدة «الأخبار» ليس كلامى، وطبعاً أنا رفضت لكن أمّى -سامحها الله- لأنها عايزة الفلوس فضلت «تردح لى وتشرشحنى».. ثم طلت «نوال» فى عيونى وهى تقول: «المصيبة إن أمى مش فاهمة إنى أنا عايزاك أنت».. أمسكت بيدها وشددتها وقلت لها اجلسى عندى خبر حلو لك.. محمود قبضوا عليه فى مصر.. ضربت إيديها على صدرها وقالت يعنى عايش.. بكرة يهرب زى كل مرة.. مفيش كبير يقدر عليه، طلبت منها الراديو وضبطنا المحطة على القاهرة.. وقبل أن تشير عقارب الساعة إلى الخامسة مساء.. قالت لى أنا خايفة.. قلت لها ولا يهمك أنا معاك.

- وإذا بنشرة الأخبار والمذيع يعلن: «لقى بعد ظهر اليوم سفاح الإسكندرية محمود امين سليمان مصرعه داخل مغارة فى حلوان بعد أن حاصرته قوات الشرطة وحاول الفرار بإطلاق النيران عليها إلا أنهم أفرغوا ما معهم من ذخيرة حتى سقط داخل المغارة وسلاحه فى يده»، وظل المذيع يعدد جرائمه.. وانهارت نوال فى الدموع وهى تقول: «منه لله يا ريت سلم نفسه»، على الأقل يعيش ويشوف عياله.. تركتنى وراحت إلى أمها ثم عادت وهى تحتضن طفليها وتبكى بحرقة.. هنا أحسست بأصالتها والعشرة التى كانت تربطهما ببعض، أنا شخصياً لا أستطيع إلا أن أقول إن نوال عبدالرؤوف فعلاً إنسانة ورغم أنها بنت بلد، فإنها عاشت بأخلاق الرجال، لم يمسسها أحد، فقد كانت بمائة رجل.

- استأذنتها بأنى سأتصل بأخبار اليوم من أقرب بقال وأرجع لها، وعند مغادرتى المنزل لم أجد البوليس، لقد صدرت لهم التعليمات بالانسحاب من أمام مسكنها.. فهمت أن الأمور تغيرت.. طلبت الأستاذ جلال الدين الحمامصى كان رئيس التحرير المسئول، هكذا طلب منى الأستاذ مصطفى أمين، وكانت تعليمات الأستاذ جلال أن أحجز تذكرتين على أول ديزل يقوم من الإسكندرية للقاهرة واصطحب نوال لكى تلقى نظرة الوداع على جثمان زوجها السفاح فى مشرحة زينهم، كان مطلوبًا منى أن أسلم نوال إلى زميلى كامل الدغشى ومحمد زعزع بمجرد وصولى إلى محطة مصر، وأن أختفى من حياتها نهائيًا بعد أن تذهب معهما إلى المشرحة وكانت «الأخبار» قد رتبت لها فندقاً فى وسط البلد لمدة ليلة وتسليمها ألف جنيه مكافأة عن مذكراتها.

- صدرت «أخبار اليوم» صباح السبت وعلى صدر صفحتها الأولى مانشيت يقول «نوال فى القاهرة لتلقى نظرة الوداع»، ونشروا تفاصيل رحلة القطار من الإسكندرية إلى القاهرة، وفى الساعة السابعة صباحا اصطحبتها إلى المحطة ولا أستطيع أن أصف لكم الجماهير التى احتشدت من الخامسة صباحاً، وتحرك القطار وسط كتل بشرية إلى محطة دمنهور ثم طنطا ومحطة بنها.. استقبالات شعبية غير عادية وكأنها كانت فى موكب رسمى، حتى دخلنا إلى الرصيف بمحطة مصر.. تعذر خروجنا من عربة القطار.. جميع مصورى الصحف ووكالات الأنباء التفوا حولها، ثم ركبت سيارة أخبار اليوم وطلبت منى أرافقها، ووعدتها بأننى سألحق بها، وكان هذا هو اللقاء الأخير معها.. لقد اختفيت من حياتها ولا أعرف شيئاً عنها حتى اليوم سوى قصة اللص والكلاب التى اقتبس كاتبنا الكبير نجيب محفوظ تفاصيلها من مذكرات نوال التى كنت أكتبها يومياً فى الأخبار.

- فعلاً الفلوس والذهب لا يمثلان الحياة، فقد تمرغت نوال فى الذهب وبين أوراق البنكنوت، لكنها كانت تحلم بالحياة، عاشت زوجة سفاح، ومات وهو سفاح، لقد كان محمود أمين سليمان يحتقر الحرامى الذى يسرق محفظة موظف، فهو يرى أن الموظف غلبان ويحتاج لمن يساعده وليس لمن يسرقه.

- فعلاً صحافة الزمن الجميل مدارس لن تتكرر.. أمنيتى أن أرى الأجيال الجديدة وهى تدرس تاريخ الأساتذة الذين ساهموا فى صحافة الزمن الجميل.

[email protected] com