رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سطور

 

خبز وماء وظل

 هو النعيم الآجِل

جحدت نعمة ربي

 أن قلت: إنى مُقِل

لخص هذان البيتان حياة الشيخ (محمد الحفنى)، لا بل أعتقد أنهما لخّصا إحساسه بالدنيا وبالناس من حوله بصفة عامة. هذا الشيخ الجليل والإنسان النبيل الذى أسس بنيان إيمانه بالله على أن خدمة الناس بإخلاص والإحساس بالمسئولية هما الأصل فى العقيدة، وهما أيضًا الأقرب إلى الله سبحانه وتعالى وأجمل العبادات.

وكان مع علمه الواسع الغزير، ودينه، ورجولته التى لم تتكرر كثيرًا فى تاريخ البشرية، كان مع كل ذلك فنانًا صاحب مشاعر راقية ورقيقة، خفيف الظل، قوى العاطفة، لم يشعر أبدًا بأن الدين عدو للفن أو الحب أو الجمال، وقد عبر عن مشاعره الإنسانية فى أشعاره وأغانيه بكل أريحية، ولم يجد أن فى ذلك خروجًا لا سمح الله على مقتضى وظيفته الرفيعة كشيخ للأزهر الشريف، أو كونه واحداً من أكبر علماء الدين فى عصره، واسمعوا معى حينما كتب أبياته بالعامية عن الفراق والهجر قائلًا:

بحياة يا ليل قِوامك وصوم الحر

تحجز لنا الفجر، يصبح ركبهم منجر

ازداد لوعة ولا عمرى بقيت انسر

وفى قصيدة شعبية أخرى كان يقول:

إن وجدت، أو جرت، أو صديت، أو وافيت

إنت الحبيب الذى فى القلب قد حليت

وأنا على العهد ما خنتك ولا اختليت

 وغيرها كثير من الأبيات والأشعار التى تنوعت ما بين العاطفية التى تعبِّر عن مشاعر الحب والغرام، أو المرحة الطريفة التى تميل إلى روح البهجة والدعابة والضحك، والتى تكشف لنا فى مجملها عن سماحة نفس وسلامة عقل الشيخ (الحفنى)، بعيدة بذلك كل البعد عن الادعاء الزائف والرائج بشدة -بكل أسف- على مدار العصور كافة، حول أن الجدية فى العمل وحسن الأخلاق يعنيان التجهم والصرامة والخشونة وربما الاكتئاب أيضًا!

 فلكل ذلك وأكثر يستحق مِنَّا أن نتذكره دائمًا ولا ننساه أبدًا شيخنا الجليل المتفائل الذى أحب الناس فأحبِّوه، ووقف إلى جانبهم طوال حياته فخلدوا ذكراه، حتى قال عنه الجبرتى فى كتابه «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار»: «لم يكن يتم أمر من أمور الدولة وغيرها إلا باطلاعه وإذنه. وكان فى كل ذلك يقف إلى جانب الحق، ناصرًا للشعب على حكامه، منصفًا للمظلوم من ظالمه، مُعِينًا للضعيف على الدوام».

وقد قال عنه أيضًا ذات يوم (راغب باشا) الذى كان يشغل منصب الوالى التركى على مصر: «إن هذا الشيخ سقف على أهل مصر... يمنع عنهم نزول البلاء»؛ فقد كان يحميهم بقدر ما يستطيع من الهموم والمشاكل، ويقف إلى جانبهم فى وجه الظالمين لهم والمعتدين على حقوقهم.

ولعل أجمل وأروع المعانى التى استوقفتنى فى رحلة حياة الشيخ (الحنفى) أنه كان يشعر دائمًا بأن الذين يخدمهم ويقضى حوائجهم هم أصحاب الفضل الحقيقى عليه! وترى لماذا يا شيخ (محمد)؟ ولعل الإجابة هى: لأنهم يقدمون إليه فرصة رائعة للتعبير عن حبه (لله وللوطن وللبشر).

ورحم الله من كان سقفاً لأهل مصر.