رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كثيرًا ما يستوقفني ثبات الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، على موقفه من بناء نظام تعليم جديد على الرغم من كل ما يواجهه من هجوم شرس يصل إلى حد الشتائم والسباب.

لطالما أفكر كيف لرجل يبلغ الستين من عمره أن يحمل كل تلك الطاقة الإيجابية من أمل وتفاؤل وإصرار على البناء حتى لو وقف المجتمع جميعًا ضده؟ كيف لأستاذ جامعي حصل على مراكز سامية وله مكانته في مجاله العلمي أن يتحمل كم هذا الهجوم والسباب ويصرّ على الاستكمال فقط لأنه يرى في يده الفسيلة التي يزرعها لتستفيد بها الأجيال القادمة؟

لا أعلم ما بداخلي ربما يكون نوعًا من الغيرة؛ لأنني من جيل سلبه المجتمع حقه في التفاؤل والأمل، وانتهك حقه في النجاح وبناء المستقبل، وأجبره على المضي في الطريق الذي رسمه له، وإذا اخترقه تحول إلى إنسان شاذ ينبذه المجتمع، فمن الطبيعي أن يستوقفني ولو قليلًا العزيمة والإصرار لمحاولة تغيير ثقافة شائعة.

نظام التعليم الذي تحول عبر عقود ليست قصيرة إلى ثقافة اللهث وراء الدرجات دون النظر إلى مدى استفادة الطالب العلمية أو العملية أو الفكرية، من خلال اللجوء إلى الدروس الخصوصية حتى صارت عادة يومية يؤديها طلاب المدارس بحرص شديد وكأنها "مصباح علاء الدين" الذي يجلب الدرجات.

وبعد عقود تأصل فيها هذا الفكر الذي دمّر أجيالًا وأضاع فرصة اكتشاف مهاراتهم وموهبتهم الحقيقية، جاء الدكتور طارق شوقي ليعلن أنه سيغيّر تلك الثقافة في محاولة لإنقاذ الأجيال القادمة ومنحها فرصًا حقيقية في التعلم لم تمنح لنا.

قرر الدكتور طارق القضاء على سياسة السعي وراء الدرجات من خلال تلقين الكلمات والجمل وحفظها لاستخراجها أثناء الإجابة على الامتحانات ثم نسيانها، والاعتماد على متعة التعلم من خلال نظام تعليم جديد يطبق على طلاب رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي بمناهج جديدة وطرق تدريس حديثة، ونظام تقويم جديد لطلاب الصف الأول الثانوي يعتمد على قياس الفهم وليس تقييم الإجابات المحفوظة مسبقًا.

ومنذ إعلان الدكتور طارق قراره في أغسطس 2017 و"قامت الدنيا ولم تقعد" على الرغم من صرخات أولياء الأمور المتكررة من مساوئ النظام القديم، إلا أنهم قابلوا خطة التطوير بدوامة من التخوفات والانتقادات والهجمات التي تحبط العزائم وتثبط الهمم، وانهالت الاتهامات والتشكيك، ووصف التطوير بالأحلام.

ولم تهدأ تلك الدوامة بعد التطبيق بداية العام الدراسي الحالي 2018-2019 بل ازدادت وطأتها واشتدت الأمواج ضد الدكتور طارق حتى وصل الأمر للشتائم والتصيد ووضع العراقيل أمام تطبيق خطته للتطوير، إلا أن الدكتور طارق أصرّ على استكمال طريقه دون أن يهتز أو يرتبك.

ولعل تطبيق الامتحانات الإلكترونية في نظام التقويم الجديد لطلاب الصف الأول الثانوي من خلال منحهم أجهزة تابلت كانت أهم الشواهد على ذلك، فمنذ الإعلان عن الفكرة وظهرت الصرخات والاستغاثات واتهامات بتدمير مستقبل أبنائهم.

وتكاتفت فئات عديدة من أجل وضع العراقيل من صعوبة توفير أجهزة التابلت وصعوبة توصيل "الإنترنت" للمدارس في جميع أنحاء الجمهورية إلا أن الدكتور طارق أصرّ على التحدي ولم يلتفت إلى تلك المثبطات حتى تمكن من الحصول على جميع أجهزة التابلت وتوزيعها على الطلاب بداية الفصل الدراسي الثاني.

وحدثت الطامة الكبرى بعد خطأ تقني أعاق الطلاب عن أداء أول الامتحانات التجريبية –التي لا تتضمن درجات- على التابلت، يوم الأحد الماضي، حيث انهال الجميع على الدكتور طارق بالاتهامات والأحكام في حين خرج هو بشجاعة وتحمل المسئولية كاملة ووعد بحل جميع المعوقات في إصرار منه على نجاح التجربة.

استوعب الدكتور طارق قلق الطلاب بسبب سقوط "السيستم" وتخوفاتهم وحاول احتوائهم وطمأنتهم بأنه لن يحملهم أي عيب تقني، وأنه حال عدم اكتمال المنظومة الإلكترونية بنسبة مئة في المئة لن تطبق عليهم في الامتحانات على التابلت الذي يعد مجرد أداة ليست أساس التطوير الذي يعتمد على تغيير نظام التقويم لقياس الفهم وليس الحفظ.

ربما يكون ثبات الدكتور طارق وإصراره على استكمال خطته هو ثقة بناها داخله تاريخه العلمي وخبرته العملية، ولكن من المؤكد أنني أنظر إلى ثباته بعين الدهشة، فكيف يتلقى كل هذا الهجوم ويمتص هذا الكم من المشاحنات دون أن يتأثر أو تتزحزح إرادته في إنجاح تلك التجربة الجديدة التي تستهدف مصلحة أجيال قادمة؟!

وأخيرًا.. قد يكون الدكتور طارق مصيبًا في فكرته وقد يكون مخطئًا وهذا لن ينكشف سوى بالتجربة، ولكن ثباته هذا يستحق التأمل والاقتداء به بأن نصرّ على تحقيق أحلامنا مهما رأها الآخرون مستحيلة طالما نؤمن بها وبقيمتها.. فاللهم امنحنا ثبات طارق شوقي.