رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

منتهى القبح، أن يتفق ويتحد مجتمع بكامله وفي لحظة واحدة حول فيديو جنسي في حين يفشل نفس المجتمع من الف عام وأكثر في أن يتفق أهله حول قضايا مستقبلهم ونيل شرف المنافسة من أجل التطور والرقي، بل عجز نفس المجتمع عن الاتفاق حول أصغر وأبسط الأمور، عجز عن مشاهدة مباريات الكرة في المدرجات دون عنف، عجز عن تنظيم نفسه في الشارع واحترام انسانيته، عجز عن اختيار ممثليه في البرلمان ليختار دائما الأسوأ، عجز عن تعظيم قوته الناعمة واستبدلها بثقافة مشوهة، عجز عن الرقي بما يسمع ويرى ويقرأ ويلبس..  أعرف أن البعض لن يروق له هذا الطرح وسيسأل: وماذا يفعل الناس، والدولة المسئولة عن ادارة حياتهم تخلت عن مسئولياتها وتركت الناس في عراء التاريخ بلا أي غطاء حضاري أو حتى انساني؟ اما يتكيفون مع الفوضي والعذاب وإما يموتون في بحور الأماني العاجزة.

 الحقيقة أنا لم اتجاوز أبدا حقيقة أن الدولة المصرية منذ محمد على باشا الي يومنا هذا ظلت قضية السلطة هي الهم الأول والأخير لحكامها، وأن أي عمل عام وعلى أي صعيد سياسي أو اقتصادي أو حتى ثقافي يتم توظيفه لخدمة غاية الاستحواذ والاستمرار، وللأمانة لم يشذ عن هذه القاعدة ملك أو سلطان أو رئيس من عام 1805 (تولي محمد على مقاليد الحكم) وحتى اللحظة الراهنة.

هل مصر يتهددها خطر خارجي؟ أري يقينا أنه لا توجد دولة صغرى أو عظمى لا يتهددها مخاطر خارجية.. أمريكا بكل قوتها الاقتصادية والعسكرية لا يغيب عن ساكن بيتها الأبيض أن الصين بحجم تجارتها الخارجية خطر كبير على أمريكا، وأن روسيا بنوع تحالفاتها الدولية خطر على أمريكا، وأن تسلل فقراء المكسيك عبر الحدود بحثا عن الرزق خطر على أمريكا،  وأن اي نزعة سياسية في المحيط العربي نحو استقلال القرار خطر على مصالح أمريكا في منطقة شاءت الأقدار أن تهبها الأديان والنفط  لتظل قبلة لكل الطامعين في السيطرة.. أمريكا بكل قوتها احتلت العراق بزعم خطر صدام واسلحتها على أمنها، ومزقت سوريا تحت غطاء مواجهة انفراد  بشار بشعبه، وتحاصر ايران من عام 1979 الي اليوم بزعم الوقوف بوجه ارهاب الثورة الخومينية.. وكل ما تدعيه أمريكا وارتكبت بسببه أفظع الجرائم لم يكن الا لتأمين اسرائيل التي تحرس لها منابع الثروة وطرق التجارة، ويساعدها في ذلك ومنذ خمسينيات القرن الماضي بعض الأنظمة العربية التي ترى أن نار اسرائيل برد وسلام عليهم وعلى عروشهم..  وعودة للحالة المصرية أقول إن الخطر الحقيقي الذي يهدد مصر يطل من داخلنا ومن بيننا ومن داخل بيوتنا وجذوره الحقيقية تبدأ من عقولنا.. هناك مهددات خارجية كثيرة بالفعل ولكن قوة تأثيرها تتعاظم بقدر ضعفنا في الداخل.. الأمم لا تتغير لأنها انتصرت في حروب أو أنعم الله عليها بثروات، ولكنها تتغير وتتطور اذا وعت قدراتها واحتياجاتها وحددت أهدافها وغاياتها واتفق أفرادها على طرائق للتفكير وعلى مزاج ثقافي عام يجمع بينهم.. أمام هذا التصور فنحن أبعد ما نكون عن الصورة الحضارية التي تتمناها أية أمة محترمة ، ولن نصل الي هذه اللحظة التاريخية النادرة الا اذا سلمنا بأن الانشغال بالمستقبل أكثر أهمية وقيمة من الانشغال بفيديو جنسي، وأن احترام روح القانون والدستور من قبل الكل - حكاما ومحكومين - أهم كثيرا من النصوص والديباجات التي لامعنى لها في ظل غياب هذه الروح، سواء تم تعظيم النص  أو تعديله. وسيظل أيضا من مهددات مستقبل أي مجتمع  أن ينشغل أفراده عن مستقبلهم  ويهربون من مسئولية كسب معركة الغد  بالتسكع على أرصفة الماضي بغية استعادة جثثه وهزائمه.