رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رؤى

يقال إن عمرها عندما ماتت كان 66 سنة، وفى رواية أخرى 63 سنة، لا أحد منا يعرف عمرها على وجه التحديد، وحكوا أن عمرها المثبت فى شهادة الميلاد لم يكن حقيقيا، لم أحتفظ لها بصورة، ربما لأننى أشعر دائما بأننى فى ترحال، على سفر، وربما لأننى قد غادرت كثيرا ومازلت أشعر أنه حان وقت السفر، وربما لأننى أعيش الغربة، لكن الذى أتذكره جيدا أن صورها كانت قليلة.

اسمها لطفية، وكثيرا ما كانوا يخطئون فى كتابته فى الأوراق الرسمية، وفى آخر بطاقة شخصية استخرجناها لها، كتبوا اسمها «لطيفة»، أشقاؤها كانوا ينادونها: «عجورة»، لحبها فى العجور، كما كانوا يسمونها «فوكيه» نسبة للفاكهة، حكى لنا خالى فتحي (أخ لها غير شقيق مات هو الأخر) أنها كانت تأكل طوال النهار من أشجار الفاكهة بالحديقة المحيطة لمنزل والدها، شاهدتها تقف أمام المرآة ونحن حولها صغارا، كانت تعتقد أنها الخالق الناطق نجاة الصغيرة، وكلما فتحت السيرة نضحك ونغنى لها: لا تكذبى..

كانت تفتخر بأن والدها كان عمدة شبرا النونة مركز ايتاى البارود فى محافظة البحيرة أيام الملك وبعد انقلاب الجيش ونفيه للملك، كانت تحكى لنا عنه بعزة كيف كان قاسيا فى الحق وحليما مع الفقراء، قصصه لم تنقطع عن منزلنا، مات سنة مولدى، لا أذكر منه سوى الحكايات وحجرته التى سكنها خالى زكى بعد وفاته، كان المنزل كالقلعة، يتكون من عدة مبان، جزء خاص بسكن الأسرة، وكان على طابقين، يطل من الواجهة على طريق القرية الرئيسى، وكان يسمى الزراعية، ومن الخلف يطل على حديقة موالح وجوافة ومانجو زرعت على مساحة ثلاثة أفدنة، بجواره المنزل الريفى، ويضم مخاز، وحظيرة، واسطبل، وفرن ريفى، على بعد أمتار بسيطة من يمين الداخل للمسكن، مبنى السلاحليك، عاصرته عندما كانوا يخزنون فيه الآلات الزراعية، أمامه مبنى مستطيل من طابق واحد يسمى المنزل، كان مخصصا لاستقبال الضيوف، وفيه فرندة كبيرة، ومطبخ، وحمام، وغرف مجهزة لاستقبال الضيوف.

رفعت عن وجهها الغطاء، حدقت فى وجهها لفترة، لم يعد هو الوجه الذى كنت أراه فى طفولتى وصباى، أصبح شاحبا ونحيلا وداكنا ومترهلا، التجاعيد فى جبهتها وأسفل عينيها وحول أنفها، لا أذكر لون عينيها، فكرت فى أن أرفع جفنها، ربما كان عسليا أو أسودا، حاولت أن أستدعى من ذاكرتى مشاهد كانت تنظر فيها لى ربما تبينت لون عينيها، جميع المشاهد التى استدعيتها كانت تتكلم فيها وهى منشغلة فى المطبخ أو تغسل ملابسنا، ترفع غطاء الحلة، تمسح دموعها من البصل، أو وهى تدعك بقوة لياقات القمصان، وضعت يدى على كتفها، طبطبت عليها:

ــ مش هتصحى بقي؟، أنا هنا من فترة؟، ؟، أوعى تكونى بتعملى ميتة؟، هاتى أيدك أأومك، هحطلك مخدة ورا ضهرك اسندى عليها.. بقولك إيه كفاية بقى واصحى، أنت زى الفل أهه، أيه يعنى جسمك بارد، ومافيش نفس، بس أنت زى ما أنت، أوعى تكونى متى.. ماما هو أنت صحيح مت؟.

[email protected]