عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

لا أدري ماذا كانت الصورة الذهنية لدى وزير الخارجية مايك بومبيو عن مستمعيه خلال خطابه الذي ألقاه بالجامعة الأمريكية بالقاهرة منذ أيام، وما تصوره هو شخصياً لوقع كلماته عليهم، وصداها أمام العالم الذي كان يتابعه عن كثب! حيث تضمن الخطاب العديد من الجوانب السلبية التي يتمثل أقلها في حالة من الغرور والاستخفاف بالآخر بشكل لا يليق! فرغم أن بومبيو راح يتيه في بداية خطابه بخلفيته التي تجعل منه قيمة كبرى في عالم السياسة الأمريكية، كمدير لـ «لسي أي ايه» وعضو بالكونجرس وغير ذلك، إلا أن أول القصيدة، كما يقول المثل، كان كفراً، حيث حدد أساس خطابه وهو الصراحة، غير أنه سرعان ما ناقض ذلك المبدأ في الكلمات التالية مباشرة حين حرص على التأكيد على أن من أسس هذه الصراحة أن أمريكا هي قوة للخير في الشرق الأوسط، وهو أمر مفارق للواقع!.

 ليس من منطلق نقد سياسات الولايات المتحدة في المنطقة، فذلك ليس مجاله هنا،  وإنما من منطلق الشفافية واحترام العقل التأكيد على أن إدارة العلاقات الدولية لا تقوم على أسس الخير أو الشر، وهو ما يعني في معرض التعليق على خطاب بومبيو أنه جاء لكي يبيع لنا الوهم. وفي ذلك فإن بومبيو ربما يمثل إمتدادا لتعاطي الساسة الأمريكيين مع العالم الخارجي ومحاولة تسويق أنفسهم على هذا النحو وهو ما تبدى في تعامل الرئيسيين السابقين ريجان وبوش الإبن مع الخصوم على أنهم ليسوا سوى إمبراطوريات ومحاور للشر، الأمر الذي تناولناه في مقالة سابقة في هذا الحيز.

لم استمع للخطاب، ولم أتابعه على الشاشة، غير أني بعد قراءته أتصور، وبعض التصور ليس كله خطأ، أن لسان حال الكثيرين ربما كان يعبر عن المثل الشعبي: «اسمع كلامك أصدقك .. أشوف  أمورك استعجب». إن بومبيو الذي حرص على التأكيد على أنه في غضون 24 شهراً من تأكيد الولايات المتحدة في عهد ترامب على دورها التقليدي كقوة للخير في المنطقة تثبت يوماً بعد يوم العكس على الدوام.. لقد راح وزير الخارجية الأمريكي يؤكد وقوف بلاده في وجه قوى الشر في المنطقة وأنه على هذا الأساس جاءت تحركاتها ضد إرهاب بشار لمواطنيه السوريين، في حين تؤكد كل الشواهد أن التدخل الأمريكي وسياسات ترامب كانت على رأس الأسباب وراء الخراب الذي حل بسوريا ومن الصعب معه أن تعود سيرتها الأولى ولو بعد عقود.

من الغريب أن بومبيو الذي يمثل الخير ويحرص على تسويق صورة ملائكية لبلاده في الخطاب، تغافل عن قوى الشر الإسرائيلي التي تعيث في المنطقة فساداً على صعيد إلتهام الحقوق العربية سواء في فلسطين أو على صعيد  دورها المشبوه في القضاء على سوريا. قد لا يكون مطلوباً من بومبيو أن يناقض نفسه ويعلن إدانته لسياسات تل أبيب، غير أنه ربما كان من ضرورات الصراحة التي أشار إليها، ألا يبالغ في مقولاته بشأن الخير الأمريكي الذي يلوح في خياله فيما الشر الأمريكي يحيط بالمنطقة من كل جانب.

لكن الإنصاف يقتضي الإشارة إلى أن بومبيو لم يحاول أن يقدم لنا صورة خادعة بشأن ما يجري في العراق، فلأن الأوضاع بالغة السوء ولأنها تدين المواقف والسياسات الأمريكية بدون مواربة بفعل الخراب الذي وقع بسبب الإحتلال الأمريكي لها، فإن الرجل عرج على الأمر سريعاً موحياً بأن بلاده تخرج من هناك بعد أن استتبت الأمور هناك دون التطرق لذلك الأمر بصراحة!

وبعد فقرات مطولة من الكلمات المعسولة في الخطاب الذي ينبغي اعتباره بحق خطابا مؤسساً لرؤية جديدة للسياسة الأمريكية في المنطقة وأن يخضع لتحليل رصين يتجاوز هذه الكلمات، على غرار خطاب أوباما في جامعة القاهرة، والذي تعرض للنقد الشديد من قبل بومبيو في تجاوز للأعراف الأمريكية بشأن نقد الإدارات السابقة، فإن وزير الخارجية الأمريكية يصل إلى بيت القصيد من زيارته للمنطقة وأهدافه من جولته وهي الدعوة إلى تأسيس تحالف استراتيجي  في الشرق الأوسط يجمع أعضاء مجلس التعاون ومصر والأردن، ولو أن الظروف تسمح لأدرج إسرائيل ضمن التحالف غير أن الأمر يقتضي كما هي العادة دوماً وكما جري خلال الحرب على العراق، أن تبقى في خلفية الصورة.

في محاولة فهم أبعاد تلك الدعوة قد لا يتطلب الأمر كثير إجتهاد للتوصل إلى أن ما يعلنه الرئيس ترامب بصراحة تصل حد الفجاجة أحيانا، يسعى بومبيو لتحقيقه بلغة دبلوماسية هادئة يمكن أن تقبلها شعوب المنطقة. فإذا كان ترامب أعلن أنه آن الأوان لكي تتحمل شعوب المنطقة الدفاع عن نفسها وتكاليف هذه العمليات، فإن فكرة التحالف لا تخرج كثيراً عن هذا الأمر.. الأمر في النهاية لا يخرج عن السعي لأن تحارب الدول العربية المعركة مع إيران نيابة عن الولايات المتحدة، بعيداً عن بعض التصورات العربية بشأن أخطار إيرانية حقيقية كانت أم متخيلة.

على مستواي الشخصي، وعلى مستوى طريقة تلقي القيادة المصرية مضمون خطاب بومبيو، أتصور حقيقة صدق المثل الذي يقول إن بومبيو ربما جاء لـ «يبيع المياه في حارة السقايين».. فكلماته لن تنطلي علينا هنا في مصر بغض النظر عن حجم اختلافاتنا الداخلية بشأن التعاطي مع الكثير من الأمور، غير أن المشكلة الأكبر أنه في باقي المنطقة حيث يتجول بومبيو لا يوجد سقايين وأن هناك من هو على استعداد لكي يشتري المياه، حتى رغم يقينه بأنه ليس هناك ماء من الأصل لكي يتم شراؤه!!

[email protected]