عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

 

فى الثامن عشر من الشهر الجارى, تمر الذكرى الرابعة والثلاثون لإعدام المفكر الإسلامى  الصوفى «محمود محمد طه»-1909-1985-الذى يعد واحدا من ابرز المجددين فى الفكر الدينى، ومن أكثرهم  اهتماما بقضية تطوير التشريع الإسلامى، ليتوافق مع تطورات العصر، وبما يجعله قادرا على مواجهة المشكلات الطارئة التى تواجه المسلمين فى حياتهم المعاصرة.

وفى كتابه البديع «القرآن ومصطفى محمود والفهم العصرى» فند ملاحظات عابرة كان يكتبها فى مجلة صباح الخير مصطفى محمود، ثم جمعها فى كتاب تحت عنوان: «القرآن محاولة لفهم عصرى». وفيه وصف الكتاب بأنه يؤرخ لتحول فى الفكر الإسلامى فى الشرق العربى، لا لأنه كما  يقول «كتاب جيد» ولكن لأنه كتاب جرىء، وليست الجرأة على الخوض فى أمر من أمور الدين بمحمودة على كل حال، ولكنها إنما حمدت فى هذا المقام، لأنها تمثل ثورة على الجمود الفكرى، والعقم العاطفى الذى ضربه حول الدين، من يطيب لهم أن يسموا أنفسهم رجال دين . فقد جمد هؤلاء الدين، وحجروه، فى عصر اتسم بالسيولة، واحتشد بالحركة والحيوية والتجديد، فلم يبق سبيل إلى الانعتاق من أسر جمودهم غير الثورة فلا كهنوت فى الإسلام. وعلى الرغم من أن  المفكر محمود طه قد وصف الكتاب بأنه  مجرد خواطر عابرة فجة، وينطوى على شطط، الإفراط فى القول بغير علم فى أدق أمور الدين، هذا فضلا عن أن البشرية لا تحتاج إلى تفسير القرآن, بل تحتاج إلى تأويله، إلا أنه ثمن عاليا بضمير عالم، اجتهاد المؤلف، وشجاعته التى تصل إلى حد الثورة على  التزمت والجمود.

فى عام 1967 أصدر محمود طه كتابه المهم «الرسالة الثانية من الإسلام». والكتاب المذكور ينطوى على رؤية شديدة الاستنارة لخدمة تطوير التشريع الإسلامى. فهو يذهب فى الكتاب إلى أن الإسلام قد جاء برسالتين، الأولى أوحى بها إلى الرسول فى المدينة وتتضمن فروع القرآن الكريم، التى يتوجه بها  النص إلى المؤمنين والمنافقين مثل «يا أيها الذين آمنوا»، و«وإذ يقول المنافقون والذين فى قلوبهم مرض» وغير ذلك. وكانت  الثانية فى مكة، ويتوجه فيها النص إلى البشر جميعا  فى أنحاء الكون، كما فى «يا أيها الناس» وفى «يا بنى آدم». وينتهى محمود طه إلى القول، إن التشريع الذى استند إلى الرسالة الأولى لم يعد صالحا لعالم اليوم,لأنه كان منزلا فى الظروف التاريخية والاجتماعية التى سادت المدينة فى القرن السابع الميلادى.

ويأتى  الكتاب إلى جوهر دعوته الحداثية والتجديدية، حين يؤكد المؤلف بالبرهنة من النصوص، أن الإسلام الصحيح هو فى الآيات المكية التى تستند إلى أصول القرآن، وبها يكمن جوهر الدين الإسلامى وروحه وقيمه العليا التى تدعو إلى حفظ كرامة الإنسان وصون حياته، وإلى الرحمة والتسامح، وإلى المساواة بين المؤمن وغير المؤمن ،إلى  الحرية والعدالة، ومنها ينبغى التشريع بما يتوافق مع مقتضيات التطور فى القرن العشرين.

تربصت قوى من سماهم «محمود طه» بجماعات الهوس الدينى بكتبه, أفكاره وحياته نفسها ومبادئ الحزب الجمهورى الذى أسسه، وتصدى لدعوته تلك، جبهة الميثاق الإسلامى-جناح حركة الإخوان المسلمين فى السودان - بقيادة حسن الترابى، ورهط من مشايخ الأزهر فى طليعتهم شيخه آنذاك «حسن مأمون» وتم حبسه واتهامه بالردة والكفر، وهى نفس التهمة التى قادته إلى الموت، لنقده الحاد لقوانين سبتمبر التى نفذت تطبيق الحدود على السودانيين ، ووصفها طه بأنها تنسب زورا إلى الشريعة، ودعا إلى إلغائها لأنها تشوه الإسلام، وتذل الشعب السودانى وتهدد وحدته الوطنية، فعدت محاكمة هزلية حكمت عليه بالإعدام شنقا.

لن يذكر التاريخ سوى فى صفحاته السوداء من قتلوه باعتبارهم من عتاة المجرمين، لكن  افكاره واجتهاداته لتجديد التشريع الإسلامى، تبقى حاضرة بقوة، منهلا لدعاة الاجتهاد والتجديد فى العالم الإسلامى.