رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

كثيرا ما يلح على ذهنى ذلك السؤال الذى أتمنى ألا يكون أبديا والذى طرحه شكيب أرسلان منذ أكثر من قرن وهو لماذا تأخر المسلمون وتقدم الآخرون؟ ما أطرحه هنا لا يحمل الطابع الفكرى للسؤال، وإنما الجانب العملى له. حينما أتأمل أحوالنا فى مصر بشكل عام دون ربط ذلك بنظام سياسى محدد تبدو لى الإجابة واضحة وتكشف بجلاء لماذا نتراجع رغم كل الظروف التى تتيح لنا أن نتقدم ونتجاوز غيرنا من الأمم.

المثال التقليدى الذى يشار إليه هنا فى معرض المقارنة مع غيرنا، هو التلازم بين مسار النهضة فى اليابان ومسارها فى مصر والنتيجة تبدو واضحة، ففيما تنافس الأولى على الريادة فى العالم اقتصاديا، فإن تقريرا عن حالنا يشير إلى أن مصر تأتى فى المرتبة بعد العاشرة فى الاقتصاديات الأفريقية.. تخيل.. رغم كل المساعى لاستعادة دورنا وتصعيده على المستوى الافريقى وآخرها ذلك المؤتمر الذى اختتم الأسبوع الماضى فى شرم الشيخ.

هل نحن عصيون على التقدم؟ هل نحن كشرقيين أو حتى كعرب ومسلمين، كما حاول بعض المستشرقين الزعم، نحمل جينات التخلف؟ بالطبع لا، غير أن الأمر رغم غموضه قد يبدو جليا من رصد ما جرى وما يجري. الأمر هنا ليس مجالا لإلقاء التبعة على أحد، وإنما الكل فى تقديرى مشترك فى المسئولية، فلا يمكن إعفاء الدولة كدولة، ولا يمكن إعفاء المواطن مما نحن فيه. خذ مثلا قضية السكن، فمن المعروف أننا نعانى منذ عقود من الإسكان العشوائى حيث يقيم عدد لا بأس به فى عشش إيواء لا تليق بآدمية الإنسان، وعندما اتجهت الدولة للقضاء على ذلك من خلال تخصيص مساكن لهؤلاء، بدأ الكثير منهم فى بيعها والعودة إلى حالة «الفطرة الأولى» التى كانوا عليها. لقد قامت الدولة بدورها، وعملت ما يجب أن تقوم به غير أن المواطن يأبى تلك الطفرة فى حياته ويصر على حالة البؤس التى هو عليها لا يريد أن يفارقها.

أثارت هذه الخواطر لدى بعض الانطباعات التى تعززت لدى على خلفية مجموعة من القضايا والموضوعات نشرت فى جريدة الأهرام خلال الأسبوعين الأخيرين، تكشف عن جانب من أسباب تخلف حالنا. أبدأ بآخرها الذى نشر فى أهرام أمس الأول السبت حول العين السخنة فى صحراء مطروح والتى تعتبر أكبر خزان مائى ومع ذلك فما زال الخزان خارج الخدمة رغم مرور 56 عاما على اكتشافه مع أن درجة عذوبة مياهه من أعلى المعدلات، أى أن مسئولية عدم استغلاله تقع فى رقبة أربعة أنظمة سياسية وليس نظاما واحدا.

تفاصيل الموضوع تكشف عن حالة من اللا مبالاة والإهمال التى تكرس حالة التخلف. لقد تم اكتشاف الخزان بالصدفة على يد شركة بترول عام 1962 فأغلقته وبعد سنوات انفجر المحبس فكون بحيرة طولها 11 كيلو مترا وعرضها 7 كيلو مترات وكان يتدفق بمعدل 400 متر فى الساعة، ويمكن له أن ينتج يوميا أكثر من 20 ألف متر مربع، فيما نحن نعانى من أزمة مائية طاحنة نلجأ معها إلى تحلية المياه بتكلفة تتجاوز السبعة جنيهات للمتر مكعب فى أفضل التقديرات، ما يجعل التكلفة النهائية تصل إلى مليارات الجنيهات. ورغم أن مياه هذا الخزان يمكن استغلالها، حسب الموضوع المنشور، فى استصلاح وزراعة الآلاف من الأفدنة فإن مشروع الاستفادة منه تأخر تنفيذه لصعوبات الحصول على موافقات من جهات عديدة!!

قبل ذلك بيوم واحد نشرت الأهرام حوارا مع شيخ علماء الجيولوجيا الدكتور بهى العيسوى يثير الشجون، على ثروات مصر المتنوعة التى حباها الله بها ولم ننتفع بها رغم حاجتنا الماسة إليها وإلى عوائدها المادية. فإذا كان المنطق الذى يدفع بالإنسان إلى التقدم هو التحدى والاستجابة، فمن المفارقة أن تحدى الفقر والتخلف الذى نحياه لم يدفعنا لمواجهته بالانتفاع بما حبانا الله به من ثروات. يذكر الدكتور العيسوى أن لدينا ثروات هائلة لم نستغلها رغم سهولة استخراجها مثل الجبس الذى يستخرج منه حامض الكبريتيك وهو المادة الأساسية للصناعة بكافة مجالاتها من الكاوتشوك وحتى الطائرات ويتم استيراده بمبالغ تزيد على المليار دولار فى حين أننا يمكننا استخراجه من الجبس المصرى إذ تم إنشاء مصنع استخلاص.

أما عن الرمال البيضاء فحديث الدكتور العيسوى عنها يصيبك بالحسرة ويكشف لك عن حدود عدم استفادتنا بما تحت أيدينا من موارد. وعلى هامش هذا الأمر وفى القلب منه يثير الدكتور العيسوى الشجون حينما يتطرق لجانب البحث العلمى حيث يؤكد على أنه يكاد يكون شبه منعدم فى الجامعات.

هذا الجانب، الخاص بتراجع البحث العلمي، يبدو لنا من خلال حديث آخر نشرته جريدة الأهرام مع رئيس جامعة أسيوط منذ نحو أسبوعين ويؤكد لك جانبا من أسباب حالة التراجع التى نحن عليها، حيث يذكر الرجل أن ميزانية الجامعة تقدر بنحو مليار جنيه تقريبا تذهب أغلبها للرواتب، فيما لا يخصص منها للبحث العلمى سوى مليون جنيه واحد! لك أن تصدق ما يقوله أو لا تصدق، فهو أمر يدخل فى باب الخيال، ولكن إذا ألقيت نظرة عامة على البحث العلمى فى مصر فستجد أن الكلام له أساس.

المجال واسع وهذه عينة صغيرة من جريدة رسمية، والحديث يطول وذو شجون. ورغم ما تثيره من إحساس بالألم، إلا أن نجاحنا يرتبط بتحويل هذا الألم إلى أمل، وتجاوز حالة الإحباط وحالة البقاء فى ذيل الأمم!

[email protected]