رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

 

طمستنا سحائب الجهل، فلم نُعد نُفرق بين دين وجنسية. تقهقرنا ألف عام بعد أن قطع العالم ألفًا معاكسة نحو المُستقبل.

فى الميديا، كما فى السوشيال ميديا يعلو صوت الغوغائية على العقل. يتقدم النفور، وتسود الكراهية، وتعلو مبادئ رفض الآخر، واحتقاره، وتكفيره على أى مبدأ عقلانى للتعايش الحضارى.

القصة أن خبرًا أطلقته وزارة الآثار قبل أيام حول مشروعات الترميم أقام الُدنيا، ولم يقعدها: تخصيص مليار و270 مليون جنيه لترميم المعابد اليهودية.

حنق واستياء ورفض وضيق وانتقاد لا آخر له دفع صديقى محمد عبدالعزيز مدير آثار القاهرة التاريخية أن يخرج للرد مؤكدًا أن المبلغ مخصص لكثير من الآثار الإسلامية، إلى جانب معبد يهودى بالإسكندرية.

وكأنه يتنصل من الأمر أو يُهدئ من روع الغاضبين، وكأنها جريمة أن نُرمم آثار اليهود ومعابدهم جميعاً. وكأن اليهود بشر غير البشر لا يُنظر لهم إلا بازدراء ولا يتم التعامل معهم إلا باعتبارهم أعداء وخونة.

تغيرت العقلية المصرية وارتدت بما لم يتصور أحد. فى بدايات القرن العشرين كان سيد درويش يُغنى للوحدة الوطنية فى أغنيته «قوم يا مصرى»، قائلًا «إيه نصارى ومسلمين قال إيه ويهود. دى العبارة نسل واحد م الجدود».

وكان اليهود جزءًا من الشخصية المصرية الفاعلة فى ثورة 1919 حتى إنهم شاركوا فى المظاهرات ومعهم الحاخام اليهودى، وأفرد اليهودى المصرى ليون كاسترو صفحات جريدته «ليبرتى» الناطقة بالفرنسية لفضح الاحتلال البريطانى.

الأدهى من ذلك أن بعض اليهود شاركوا فى اغتيالات الجنود الإنجليز وتم إعدام أحدهم وهو ديفيد هازان سنة 1923.

مَن قال إن اليهود رجس من عمل الشيطان؟.. مَن حكم بعدم مصريتهم؟.. مَن آلمه تخصيص أموال لترميم آثار يهودية تنتمى للتاريخ المصرى؟

كراهية اليهود أمر شائع فى مُجتمعنا رغم أنهم أصحاب ديانة سماوية، ولا فرق لدى كثير من الناس بين اليهود والإسرائيليين.

إن علينا أن نعى أن اليهود عاشوا قرونًا فى هذا البلد. بنوا وأنتجوا وزرعوا وصنعوا وتركوا بصمات خالدة فى الفن والعمران والحضارة، وأن محوهم من التاريخ أو اقتلاع وجودهم جريمة لا تغتفر.

يهود مصر مصريون، إخوة لنا، كانوا مثلنا يحبون هذا البلد، ولولا حملات الاستعداء من جانب الإخوان بعد حرب 1948، ونظريات المؤامرة التى عجن نظام عبدالناصر الإعلام بها بعد يوليو 1952، ما وصل الأمر بنا أن نجهل الفرق بين يهودى وإسرائيلى، وأن ننتهى إلى لعن كليهما معًا على منابر خطبة الجمعة.

وكان من المؤسف أن يختصر البعض الوجود اليهودى فى قضية لافون سنة 1954 التى استغلها نظام عبدالناصر فى ترحيل كثير من المصريين خارج بلادهم عنوة وقهراً.

شحاتة هارون المحامى اليهودى رفض الترحيل، أخبروه بأنه لو غادر مصر لأى سبب لن يعود إليها لكنه قرر البقاء، ضيقوا عليه ووضعوه تحت رقابة صارمة، ولم يطفش، تعرض للضرب والإهانة والقبض عليه كلما جد جديد فى السياسة الدولية، لكنه أصر أنه مصرى أولًا وثانيًا وثالثاً.. «هذه بلدى وفيها سأموت» هكذا كان يكرر كلما ضربه مخبر ثأرًا لشهداء الحرب مع إسرائيل.

غيره كثيرون قدموا لمصر حضارة وجمالًا ومنافع ما زلنا نستضئ بها: عبقرى الموسيقى داود حسنى، والمخرج البديع توجو مزراحى، والمفكر العلامة هنرى كورييل، والاقتصادى العظيم إسحاق ليفى وغيرهم يستحقون منا كل تحية وتقدير وامتنان.

والله أعلم.

 

[email protected] com