رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لله والوطن

الموجة الخامسة من مظاهرات «السترات الصفراء» التى تشهدها العاصمة الفرنسية باريس ومدن أخرى مثل بوردو وتولوز.. كشفت عن الوجه الحقيقى لما يحدث فى «بلاد النور والحرية».. حيث لم يعد المتظاهرون يرفعون شعارات مطلبية تتعلق بالأسعار أو الضرائب أو الرواتب وخلافه.. وارتفع سقف مطالبهم بشكل واضح ليأخذ طابعاً سياسياً.. وأصبحوا يطالبون برحيل الرئيس ماكرون.. وحل البرلمان.. والخروج من الاتحاد الأوروبي.

•• وعلى أى حال

لا يمكن بالطبع استبعاد الطابع الاجتماعى أو الاقتصادى كبعدين أساسيين فى تحريك الشارع الفرنسى وتنامى الموجات الاحتجاجية التى أشعلها قرار فرض رسوم إضافية على أسعار الوقود.. لكن فى عمق الأزمة تكمن أسباب سياسية واجتماعية أيضا يمكن اعتبارها المحرك الرئيسى لهذه الاحتجاجات وتداعياتها.

وزير المالية الفرنسى عبّر عن هذا المعنى، مؤكداً أن المجتمع الفرنسى يعانى أزمة ثلاثية الأوجه هى التى حركت الآن ما يمكن تسميته، حسب محللين غربيين ـ بـ «ثورة الطبقة الوسطى» فى فرنسا.. وهذه الأوجه الثلاثة هي: «أزمة اجتماعية» ترتبط بتآكل القدرة الشرائية لدى الأفراد.. وبشعورهم بفشل رئيسهم فى تحقيق ما وعد به من إصلاحات اقتصادية واضطراره إلى اتخاذ قرارات تقشفية كان سابقوه يحجمون عنها تحسباً لانعكاساتها الاجتماعية السياسية السلبية.. أدت إلى رفع أسعار السلع الأساسية والضرائب.. وهو ما أدى فى النهاية إلى وضع المزيد من الضغوط المعيشية والأعباء على كاهل أفراد الطبقة المتوسطة بشكل خاص.

أما الأزمة الثانية التى يحددها الوزير الفرنسى فهى «أزمة ديموقراطية» تتعلق بعدم كفاية التمثيل السياسى لقوى المجتمع وشرائحه فى البرلمان.. وهى أزمة إما أنها تعود إلى خلل فى النظام السياسى نفسه.. أو تعود إلى خلل تنظيمى فى الأحزاب المعبرة عن التوجهات السياسى الرئيسية فى المجتمع أدى إلى غيابها عن مؤسستى الحكم والتشريع.

والبعد الثالث للأزمة من وجهة نظر وزير المالية الفرنسية هو أن هناك ما يصفه بأنه «أزمة أمّة تواجه انقسامات ضخمة».. انقسامات ايديولوجية وسياسية بين أنصار كل من قوى اليمين المتوحش واليسار المتطرف والوسط المتخاذل.. وهذه الانقسامات أفقدت أفراد المجتمع الثقة فى جميع هذه القوى وفى النظام السياسى برمته.. كما أنها أظهرت الوجه القبيح للمجتمع القائم على «تعدد هويات أفراده».. حيث يبدو الفرنسيون فى انقساماتهم هذه بلا هوية موحدة حدة تجمعهم على هدف واحد ورؤية وطنية واحدة.

هذا الانقسام تحديداً تعهد ماكرون فى خطاب ترسيمه رئيساً لفرنساً بمواجهته والقضاء عليه.. لكن الفرنسيين يشعرون بأن رئيسهم فشل أيضاً فى تحقيق هذا الوعد.

•• من هنا

جاء اختيار الكثير من الفرنسيين للطريق الآخر.. وهو نقل المعركة إلى الشوارع بديلاً عن المؤسسات والروافد السياسية وعن صناديق الانتخابات.. وهو خيار لم يكن بعيداً عن الكثيرين من الفرنسيين الذين كانوا يلوحون به حتى فى خضم المعركة الانتخابية الضارية التى انتهت بفوز «ماكرون».

وقد عبر عن ذلك مواطن فرنسى فى تصريحات إعلامية بعيد انتخاب ماكرون بقوله: «إن انتخابات الرئاسة الفرنسية الأخيرة كانت للاختيار بين أمرين أحلاهما مر.. إما الفاشية أوالاحتكارات المالية.. وأنه يرى الآن وبعد هذه الانتخابات أن «السبيل الوحيد- لمواجهة هذين الخيارين- هو نقل المعركة إلى الشوارع».

•• ويبدو أن الملايين من الفرنسيين الذين أصابهم الإحباط فى ظل فشل ماكرون فى تحقيق وعوده.. وبشكل خاص هؤلاء الذين قاطعوا الانتخابات الأخيرة.. وهم يقدرون بالملايين حسب الإحصاءات الانتخابية.. قد توحدوا الآن، أما هذا الخيار الثالث.. خيار «معركة الشوارع» وهو ما يحدث حالياً وما ينذر بثورة حقيقية.. وليس مجرد موجات احتجاجية يمكن مواجهتها أمنياً بالعصى الغليظة وقنابل الغازات.