رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

قد تكون أحوالنا الاقتصادية ليست كما نتمنى أو نأمل، ولكن ما يغيب عن كثيرين سواء من أصحاب القرار أو عامة الناس أن تراجع رأس المال الاجتماعي في مصر قد يكون هو المؤشر الأخطر الذي يجب أن نتأمله ونخطط لاستعادة قوته.. رأس المال الاقتصادي قد يتآكل نتيجة فساد أو تخلف في التخطيط أو الوقوع في حالة جمود سياسي تنعكس على كل شيء. استعادة حالة النمو الاقتصادي من الركود للنشاط للانطلاق قد لا تتجاوز المدة التي تحتاجها عشر سنوات وهذا ما حدث في الصين وماليزيا وفيتنام والبرازيل.

مشكلة استعادة القوة التي ضاعت أو فقدها رأس المال الاجتماعي أنها تضيع ببطء وتعود ببطء أيضا مما يكلفنا في بلد مثل مصر الكثير من الجهد والعناء لسنوات طويلة لنستعيد ما ضيعناه.. رأس المال الاجتماعي يعني الحالة التي عليها منظومة القيم الحاكمة والمحركة للمجتمع.. قيم ثقافية واجتماعية وفنية ودينية وأخلاقية وعلمية.. والسؤال : أي هذه المنظومات القيمية أكثر تأثيرًا في غيرها ؟

الحقيقة التى لا يمكن التنكر لها أن الدين يلعب في حياة المصريين دورًا مؤثرًا وخطيرًا بغض النظر عن درجة ونوع تدين الناس ومدى ارتباطه بالبعد السلوكى في حياتهم. خطورة الدور المؤثر للفكر الديني في باقى مناحي الحياة أنه يركن إلى قدسية نص ويوظفها لإثبات صحة توجهاته بغض النظر عن مشروعية وأخلاقية تلك التوجهات من عدمه.. يفرق الفيلسوف الألمانى «كانط» بين الدين التاريخي القائم على الوحي المقدس والدين الأخلاقي القائم على العقل العلمي المجرد.. والحقيقة أن المجتمعات الغربية تخلصت من الخلط بين مفهومي الدين التاريخي والدين الأخلاقي عندما فصلت الدين عن السياسة وتخلصت من هيمنة الكنيسة على الفكر الاجتماعي ومن بعدها بدأت المجتمعات الغربية تتربى على حرية الاعتقاد والتفكير والإعلاء من شأن العقل والفصل التام بين العلم والخرافة.

أتصور أننا في مصر ومنذ قرون تخنقنا مشكلة الحضور المكثف للدين التاريخي والغياب المروع للدين الأخلاقي.. وفي كل أشكال الدين التاريخي كان الرسل هم المعلمين الأوائل، فتعليم الدين التاريخي لا يقوم على مفاهيم وتصورات العقل المجرد، ولكن يقوم على معرفة الحقائق التاريخية كالوحي والمعجزات، ومن ثم يكون منهجه المشروع قائمًا على التقليد والنقل.. ويرى « كانط » أنّ هذا الإيمان التاريخي يكمن وراء تمزق وحدة البشرية من خلال أشكال إيمانية متعارضة ومتصارعة، ترى الواحدة منها الأخرى أنها ليست على حق، ومن هنا ينشأ الصراع الذي يمزق وحدة البشرية.. وقد عرض كانط لمفهوم الإيمان الأخلاقي أو الدين الأخلاقي واعتبره ضرورة وأنه بمثابة إيمان مختلف عن الأديان التاريخية بصفة عامة، فهو يقيم نفسه على الأخلاق، ويُعنى بتهذيب السلوك وحسن التصرف في الحياة، ويأمر بالعمل، فضلاً عن حثه الإنسان على تكميل نفسه والرقي بها في مراتب الأخلاق.. الفكرة عند «كانط» أنه يرى أن الطقوس والمعجزات في الأديان التاريخية مجرد عبادات زائفة، تصور الله على أنّه حاكم دنيوي نسعى لإرضائه بالعبودية والمديح والتملق، وهذا لا يليق بفكرة الله منشيء الكون ومبدعه والذي هو ليس بحاجة لقرابين البشر.. أعتقد أننا كمجتمع مصري بحاجه لتبنى فكرة أخلاقية الدين باعتبار الأخلاق تؤسس للأديان وليس العكس خاصة إذا تأملنا مجتمعات لادينية رغم أخلاقيتها العالية في العمل والالتزام والصدق والأمانة ومجتمعات يتحكم بها الدين والفكر الديني رغم انهيار منظوماتها القيمية - أي الغياب الكامل لما يعرف بالدين السلوكي.. نحن إذن لسنا بحاجة لتجديد خطاب ما ولكن حاجتنا الأكبر تظل في إعادة النظر في منطقية هذا الخطاب أو ذاك.