رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

لا يكتب. يخوّض فى الوحل. يسير حافيًا على فتافيت زُجاج. يتنقل بخفة بين لُغم ولُغم. يحترف الخطر، ويؤمن بالمقاومة، ويحلق خارج السرب، يُجدِّف منفردًا عكس التيار.

ذلك هو إبراهيم عيسى، وذلك ديدنه. صحافيًا كان أم باحثًا أم روائياً. الأدب لديه معركة مثلما كانت الصحافة سلسلة معارك ضد الجهل والتعصب والاستبداد.

يغوص فى ثنايا التاريخ ليكتب لنا «حروب الرحماء» الجزء الثانى من ثلاثيته عن القتلة الأوائل. أولئك الذين سفحوا الدم تحت ألوية السماء. يحكى لنا بإبداع الروائى حكايات إزهاق الأرواح باسم الدين.

عبدالرحمن بن ملجم، قارئ القرآن، الذى تقرحت جبهته من السجود لله، ثُم قتل الإمام على بن أبى طالب طلباً للجنة. وعمرو بن الحمق، ذلك الصحابى الذى غضب على عثمان بن عفان، وكفّره وطعنه تسع طعنات وهو يحسب أنه يُحسن صنعاً. أسماء جليلة عاصرت النبى وغاصت كُتب السير بمناقبهم، لكنهم اقتتلوا على الدُنيا، وتحاربوا على المناصب والأموال.

الجمل، وصُفين، ومعارك دموية مُهلكة استخدم فيها الدين تحت راية كل فريق، ما دفع قرون الإبداع فى رأس إبراهيم عيسى أن تستفز، وتستنفر، وتعيد رسم الأحداث فيما سماه البعض تهوينا بالفتنة الكبرى.

شلالات دماء وجثث لا حصر لها وانقلابات وتحولات فكرية وانحيازات دُنيوية وصراعات بشر ضد بشر حاول كل طرف إلباسه رداء الدين.

تلك الجراح المسكوت عنها هى ما أنتجت الإخوان المسلمين. جماعة الجهاد، بوكو حرام، طالبان، داعش، وأجناد بيت المقدس. أن تطلب الدنيا بكلام الله، أن تقتنص رداء الدين وتجعله حصريًا لك وحدك، أن تحول الإسلام إلى سلم للوصول للحكم، أن تستغله، وتوظفه، وتستخدمه لنيل سلطة أو نفوذ أو جاه.

تختطفك « حروب الرحماء»، تأسرك مثلما فعل الجزء الأول «رحلة الدم». تفتح نوافذ العصف الذهنى لديك، وتجرجرك نحو التفكير والتدبر والتأمل. هل حقًا هناك حُكم إسلامى وآخر غير إسلامى؟ هل الخليفة هو ظل الله على الأرض؟ وهل الجهاد هو إراقة الدماء شرقاً وغرباً؟ ألا تعنى الدعوة إلى الله، الدعوة إلى التسامح والرحمة والأخلاق الحميدة؟

يُبدد إبراهيم عيسى بإبداعه حجج المتأسلمين القتلة فى زماننا. يشطب بروايته أفكار سيد قطب والمودودى التى قادت أجيالاً من الشباب نحو الهاوية. يمحو أسانيد كاذبة مغلوطة، وعبارات حق أريد بها باطل. يرد بجرأة على أكاذيب السلفيين ودعاة البداوة وأصحاب القلوب القاسية.

مقاومة الإرهاب مُستحيلة دون غوص فى بدايات الجراح. لا الملاحقات الأمنية، ولا بيانات الإدانة، ولا القوانين الجنائية قادرة وحدها على دحض الإرهاب. ما تفعله رواية واحدة مثل «حروب الرحماء» أكبر وأهم وأكثر تأثيراً للقضاء على فيروس العنف.

يكتب غابريال غارسيا ماركيز كى يُغيّر العالم. يمحو القبح، يُبدد الظلام، يحتفل بالورد، ينشر الوعى، ويدافع عن الحرية. ذلك طريق الإبداع الحقيقى الذى اختاره بعض مبدعينا الجُدد، مناوئين فكرة اعتزال العالم، والنظر من على إلى الناس.

إبراهيم عيسى نموذج لمدرسة ماركيز. إبداع يتدفق كنهير عسل. عقل يتسع لأضداد شتى. قلم جميل يُنقّط سحراً وسموا.

هذا المقال ليس دعوة لقراءة ثلاثيته عن القتلة الأولى. القراءة لا تكفى. علموها أولادكم كى يشب جيل مغاير يعترف بالآخر، ويؤمن بأن العنف لا يلد خيرًا ولا يصنع عالماً جميلاً.

[email protected] com

والله أعلم.