رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

مهم جدًا أن نفتش باستمرار فى ذاكرة الأمة المصرية وضميرها الوطنى لنتأمل ما كانت عليه الجماعة الوطنية المصرية، ثم نفهم ما الذى حدث ويحدث لينال منها ويضعفها ويغذى عناصرها بالشك والضغينة.. بعد حادث المنيا الأخير لم أجد أقرب لنفسى وعقلى من المؤلف الرائع للمستشار الجليل الأستاذ طارق البشرى «المسلمون والاقباط– فى إطار الجماعة الوطنية» لأنقل للأجيال المعاصرة أقباط ومسلمين مقتطفات من مواقف وطنية خالدة لأقباط مصر.. تولى البطريرك «يؤانس» الثامن عشر رئاسة الكنيسة المصرية عام 1769 وكانت مصر تعيش فى فقر وتخلف وعزلة عن الدنيا تحت قهر العثمانيين وكانت أوروبا آخذة فى الصعود والقوة والتقدم وفى هذه الظروف القاسية بعث بابا روما مندوبًا عنه إلى مصر يدعو البطريرك يؤانس للاتحاد معه وإخضاع الكنيسة المصرية لروما على ما بينهما من خلافات عقائدية وجاء رد البطريرك القبطى المصرى يؤانس الثامن عشر ساخرا وقويا  (وإنى لأعجب من كثرة ذكاوة عقلكم ودقة فهمكم الرفيع الذى لم نره من أحد قط من مدة كبيرة، وما سمعنا بأحد من المرسلين من قبل البابا الرومانى كتب من عنده صورة رسالة إلى آبائى البطارقة الذين سلفوا قبلنا ويعرفه فيها أن البابا الرومانى يدعوكم أن تصيروا تحت اعتقاده كما صنعتم أنتم!» .. وقد عُرف عن البطريرك يؤانس الثامن عشر رفضه العنيف لكل محاولات التبشير البرتستانتى داخل مصر ويحكى المبشر الاسكتلندى دكتور «هوج» أنه لما قويت مقاومة البطريرك يؤانس لمحاولات التبشير ذهب مع القنصل الأمريكى لزيارة البطريرك مطلع عام 1770 وعندما لمس القنصل غضب يؤانس قال له اطمئن فإن مدارس التبشير لا تفعل أكثر من أن تعلم الإنجيل الطاهر للتلاميذ، وهنا لقنه البطريرك المصرى يؤانس الثامن عشر درسًا فى الوطنية (اتقد البطريرك غيظًا عند سماعه هذا الكلام وكأنك ألقيت قنبلة فى وسط الغرفة الواسعة وقال ساخرا.. الإنجيل الطاهر! وهل الأمريكان وحدهم هم الذين عندهم الإنجيل؟ ولماذا لا يعلمونه لعبيدهم إذا كان عندهم؟ لماذا يذهب الأخ للحرب ضد أخيه (يقصد الحرب الأهلية الأمريكية).. إن الإنجيل عندنا قبل ما تولد أمريكا فى الوجود).. وفى تقرير قدمه «جون بورينج» المبعوث الانجليزى إلى بلمرستون وزير خارجية بريطانيا عام 1837 كتب مندهشًا من الجامعة الوطنية بين القبط والمسلمين فى مصر (الأتراك يعدون الأقباط طائفة منبوذة من الشعب المصرى، ولكن ثمة شيئا من التعاطف بين القبط وأبناء العرب «مسلمى مصر» نتيجة ما يقاسمونه جميعا من آلام ولا يعرف عن عاداتهم المنزلية إلا القليل– شأنهم فى ذلك شأن المسلمين- فالحجاب مضروب على نسائهم كما هو مضروب على نساء المسلمين».. وبرغم كراهية اللورد كرومر المعتمد البريطانى والحاكم الفعلى لمصر من 1882–1906 للجماعة الوطنية المصرية واحتقاره للروابط الوطنية بين مسلمى وأقباط مصر إلا أنه فى كتابه– مصر الحديثة– كتب يقول «إن القبطى المصرى اكتسب خصائص أخلاقيه يتصف بها المسلم المصرى وأن الخلاف الوحيد بين القبطى والمسلم أن الأول مصرى يتعبد فى كنيسة مسيحية بينما الآخر مصرى يتعبد فى مسجد محمدى».. وفى أول مجلس نيابى على عهد الخديوى إسماعيل عام 1866– دخل المجلس جرجس برسوم عمدة بنى سلامة من نواب بنى سويف والفيوم، وميخائيل اثناسيوس عن أشروبه من المنيا وبنى مزار، عبد الشهيد بطرس عن البلينة من جرجا.. وقد كانت العلاقة الأخوية الطيبة بين مسلمى وأقباط مصر مثار دهشة وتعجب الأوروبيين الذين كانوا يعولون على الانقسام بينهما للتمكن التام من السيطرة على مصر، وفى كتابه «مصر» يقول المستشرق «جورج يانغ» واصفًا العلاقة بين الأقباط والمسلمين فى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر والأول من القرن العشرين (لا يوجد فى مصر تفرقة طائفية ضد الأقباط، وأن الكتاتيب مفتوحة للأقباط الذين يمكنهم أن يتلقوا فيها تعاليم دينهم، وأنه من المثير للفضول أن يلاحظ أن العلاقة بين العنصرين تظهر أوثق ما تكون فى المناسبات الدينية، إذ يبنى الأقباط مساجد المسلمين، كما يعيد المسلمون بناء الكنائس القبطية، ويذهب المسلمون والأقباط إلى زيارة الأضرحة ذاتها للأولياء والقديسين المحليين.).. ومن الحقائق الغائبة عن كثيرين أن الأزهر الشريف كان يقبل ضمن طلابه شبانًا أقباطًا –وقد ذكرت صحيفة «الوطن» القبطية فى عددها يوم 5 مايو 1916 أنه كان للأقباط قديما رواق بالأزهر يتلقون فيه العلوم المنطقية والشرعية وأن ممن درسوا بالأزهر أولاد العسال وهم من كبار مثقفى القبط ولهم مؤلفات مهمة ومنهم حديثًا ميخائيل عبدالسيد صاحب صحيفة الوطن الذى درس بالأزهر ثم انتقل إلى دار العلوم ووهبى تادرس الشاعر الذى كان حافظًا للقرآن ويكثر من الاقتباس منه، وفرنسيس العتر الذى كان يحضر دروس الشيخ محمد عبده عام 1902.. هؤلاء هم أقباط مصر الذين يحتلون فصلاً رائعًا من فصول تاريخ الحركة الوطنية المصرية.. فهل يفهم مَن فى نفوسهم مرضٌ؟