رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

 

مضى عهد على بنى وطنى كانوا يعتبرون الحكومة أمهم وأباهم والحضن الكبير الحنون الذى يرعاهم ويسهر على تدبير كل أمورهم؛ فهى التى تضمن لهم المأكل الصحى والمشرب النظيف والعلاج الناجع من كل داء عبر الوحدات الصحية التى كانت منتشرة فى كل المدن والقرى وهى التى تحرص على تعليم الأبناء وتتبناهم بذلك التعليم المجانى الإلزامى الذى كان يتوعد الأب بالعقوبات لو لم يلحق ابنه بالمدرسة حال بلوغه السادسة من عمره، وكانت هذه الأم الحنونة تشفق على هؤلاء الأولاد من فقر أو بخل آبائهم فتعطيهم وجبة مدرسية مجانية تكفيهم وتزيد وقاية لهم من الأنيميا أو فقر الدم، ويظل هؤلاء الأبناء تحت رعاية الحكومة طوال سنوات الدراسة، سواء كانت فى المدارس أو فى الجامعات، ولم تكن الرعاية تقتصر على تربية هؤلاء الأبناء أخلاقياً وتعليمهم المواد والمقررات الدراسية بكل جدية واحترام، بل كانت تشتمل على كل النشاطات التى تنمى فى هؤلاء الأبناء الذوق السليم والنشاط الرياضى الملائم والحس الفنى العالى وتجرى بينهم المسابقات فى كل هذه المجالات التعليمية والرياضية والفنية، وتعطيهم الجوائز والحوافز حتى يتفوق كل منهم فيما هو موهوب فيه! وحينما يتخرج هؤلاء الأبناء كانت الحكومة والدولة يضمنان لهم العمل المناسب فور التخرج لتقيهم شر سؤال اللئيم من رأسمالى ذلك الزمان، فكان الجميع يقبلون على تسلم وظائفهم الحكومية بكل سعادة وفخر ويفضلونها على وظائف القطاع الخاص مهما بلغت مغرياتها لدرجة أن شاع بين أهالينا قولهم «ان فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه!» كدليل على أن الوظيفة الحكومية هى الأهم والأضمن والأفضل فى كل الأحوال!

ولقد دار الزمن دورته وتحولت بلادنا شيئاً فشيئاً عن هذه النظم التى كانوا يسمونها «الاشتراكية» ودخلت عصر التحول الرأسمالى واقتصاد السوق وحرية تداول رأس المال وأصبح لدينا كثرة غالبة ممن يسمون رجال أعمال وشركات قطاع خاص ومدارس خاصة بل وجامعات خاصة ينافسون الحكومة، ولما كانت حكوماتنا الرشيدة ترى الخير كل الخير فى التخلى عن دورها الرعائى والريادى والقيادى فقد أطلقت أيدى أصحاب هذه الأعمال الخاصة فى كل شىء دون ضوابط حمائية ودون رقابة صارمة وأصبحنا نعيش عصر الانفتاح «السداح مداح» منذ آواخر السبعينيات!!، وحتى الآن لم ينتهى «انفتاح السداح مداح» بل تحولت حكوماتنا الرشيدة هى الأخرى إلى قطاع خاص، إلى تاجر «شاطر» يشترى ويبيع ويستهدف الربح سواء من بيع نواتج ما تقوم به من مشاريع أو من بيع ما تبقى من شركات القطاع العام أو من ما يسمونه ممتلكات الدولة أو غير هذا وذاك حتى لقد بلغ بها الطمع أن تنظر إلى ما فى أيدى مواطنيها من ممتلكات تحسدهم عليها فهم يمتلكون شققا وشاليهات وسيارات كما أنهم بعد كل ما تفرضه عليهم من ضرائب لا يزالون ينعمون ببعض الرخاء ويسر الحياة! إذن فلنفرض عليهم المزيد من الضرائب العقارية ولا مانع يمنع من أن يكون ذلك بأثر رجعى، فليدفعوا ضرائب لمدة خمس سنوات مضت وإن كان لأحد منهم شاليها فليدفع هو وجيرانه من ملاك الشاليهات فى القرى السياحية والمنتجعات ضرائب عن استخدامهم للشواطئ البحرية وإلا يمكن للدولة أن تحرمهم منها وتؤجرها لمن يستطيع أن يدفع عنهم هذه الضرائب!

ويتلصص المتلصصون فى الأروقة الحكومية والجامعات وشركات قطاع الأعمال وغيرها فيجدون فيها مايسمى بـ«الصناديق الخاصة» التى تكونت من دخول ما أسسته هذه المؤسسات من وحدات «ذات طابع خاص» أنشئت لتدر دخلاً إضافياً ينفق معظمه على تطوير الأداء ويستفيد منه جميع من يعملون فيها فيحصلون على مكافآت خاصة نتيجة عمل إضافى يقومون به فى تلك الأنشطة فتسارع الحكومة إلى سن التشريعات وإصدار القرارات لسحب أرصدة هذه الصناديق وضمها إلى الميزانيات الحكومية بدعوى القضاء على الفساد داخل هذه الهيئات والمؤسسات وتنسى أن هذه وتلك من النشاطات إنما تتيح دخلاً إضافياً يعوض العاملين عن التدنى المخجل فى مرتباتهم الحكومية ويساعدهم على التغلب على صعوبات الحياة فى ظل الارتفاع المتنامى فى أسعار الخدمات والسلع الذى لم يعد يوازيه أى تحسين تدخله الحكومة على مرتبات الموظفين.

وعن المعاشات وأصحابها فحدث ولا حرج فحكوماتنا الرشيدة ونظمنا البيروقراطية العتيدة لا تضع فى اعتبارها ما أنفقه الموظف المسكين من جهد وعمر فى خدمة وطنه فتكافئه حين بلوغه الستين بوقف كل ما كان يحصل عليه وهو فى الخدمة من مرتبات وحوافز ولا تترك له إلا الجزء اليسير مما يسمى «الأجر الأساسى» وما أدراك ما الأجر الأساسى إنه لا يتعدى عند الغالبية الغالبة من كبار العاملين وموظفى الحكومة 1200 جنيه مصرى! يا لها من مفاجأة مزرية يجدها الموظفى انتظاره وهو ينهى عشرات السنين فى خدمة الوطن وناسه!

وخلاصة القول بعيدًا عن استطرادات قد تطول وتطول، فهذا نداء إلى حكومتنا الحالية- التى نقدر لها ونشكرها على كل الإنجازات الرائعة فى مجال الإصلاح الاقتصادى وتحسين الخدمات- لعل فيها من يسمع النداء ويقبل الرجاء، أن تنظر بعين العطف والرعاية إلى موظفيها المساكين سواء الحاليون أو من أحالتهم إلى المعاش الذى يترنحون تحت معاول الإجراءات التقشفية التى تتخذ ضدهم وهم لم يعودوا قادرين على تحمل تبعاتها! لقد أصبحوا محاصرين بين نداء البقاء على قيد الحياة الكريمة وسندان الغلاء الفاحش للسلع والخدمات والإجراءات الضريبية المتتالية!

[email protected]