رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

 

منذ 30 عامًا التقيت بالرئيس السودانى سوار الذهب.. كان الرجل قد تخلى عن السلطة طواعية بعد عام من توليه حكم البلاد عقب الإطاحة بالرئيس جعفر نميرى.. وعلى غير العادة مما يحدث فى بلدان العالم الثالث قرر المشير سوار الذهب إبعاد الجيش عن الحكم.. وقرر إجراء انتخابات ديمقراطية تشارك فيها الأحزاب والقوى السياسية المختلفة.. وقد فاز حزب الأمة بزعامة الصادق المهدى بالانتخابات وتشكيل الحكومة.. وفى مشهد رائع ونادر قام المشير سوار الذهب بتسليم السلطة.. وهو مشهد لم نره من قبل ولا من بعد فى تلك الدول التى شهدت انقلابات عسكرية.

وقرر الرجل العظيم سوار الذهب أن يبتعد تمامًا عن المشهد بإرادته.. عن السياسة وأكاذيبها.. عن السلطة وألاعيبها.. عن الأضواء وإغراءاتها.. قرر سوار الذهب أن يكرس حياته للعمل فى صمت من أجل خدمة الفقراء والمحتاجين والمنكوبين والمرضى من أبناء وطنه.

فى سبتمبر من عام 1988 كنت قد سافرت إلى الخرطوم فى مهمة صحفية لتغطية أحداث الكارثة الإنسانية التى تعرض لها السودان بسبب الفيضانات العارمة التى اجتاحت البلاد وشردت أكثر من 3 ملايين سودانى تهدمت بيوتهم وغرقت أراضيهم.. بل أدت إلى انقطاع الكهرباء والمياه النقية تمامًا عن معظم البلاد، حتى أن العاصمة الخرطوم غرقت فى المياه وفى ظلام دامس.. لدرجة أن السلطات السودانية خصصت للصحفيين طائرة هليكوبتر ليتمكنوا من مشاهدة ومتابعة حجم الكارثة التى تعرض لها السودان بسبب صعوبة التنقل بالسيارات.. وعلى الطائرة تعرفت على الدكتور فتحى عرفات شقيق الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات الذى سافر إلى السودان لمشاركة الأخوة فى مصابهم.

فى الخرطوم طلبت لقاء الرئيس سوار الذهب لإجراء حوار.. كنت أظن أن اللقاء سيكون فى بيته.. لكننى اكتشفت أن الرجل اتخذ من غرفة صغيرة بمجلس الوزراء السودانى مقرًا للقيام بمهمة إنسانية لإنقاذ بلاده.. كان يتولى بنفسه عمل الاتصالات وتوجيه النداءات للجهات الرسمية والجمعيات الخيرية فى دول العالم لإنقاذ السودان من خطر الهلاك.. وإنقاذ الأطفال من الموت جوعًا.. كانت سمعة الرجل قد سبقته إلى عواصم العالم.. وثقوا به واستجابوا لنداءاته.. فانهالت المساعدات ومواد الإغاثة على السودان من أغذية ودقيق وأدوية وخيام.. والتى قام سوار الذهب - كما قال لى - بوضعها تحت تصرف الحكومة السودانية لتوزيعها على المنكوبين.

لم يكتف الرجل بهذه المهمة فقط.. بل كان أحرص السودانيين على زيارة المناطق المنكوبة التى دمرتها السيول تماما وشردت أهلها لمشاركة المواطنين مأساتهم.. كان سوار الذهب يتنقل على قدميه من مكان إلى آخر.. كان يغوص بقدميه فى مياه السيول دون الالتفات إلى تلوث ملابسه!!

طلبت من سوار الذهب أن يصطحبنى في إحدى جولاته.. وبالفعل ذهبنا إلى أحد معسكرات الإيواء.. وهناك اكتشفت أننى أمام رجل من طراز فريد انقرض من على وجه الأرض.

سألت المشير سوار الذهب عن رؤيته لتكامل عربى من أجل توفير الغذاء للدول العربية، خاصة وأن السودان يمتلك حوالى 100 مليون فدان قابلة للزراعة يمكن فى حالة زراعتها أن يتحول السودان إلى سلة غذاء العالم وليس العرب فقط؟!

قال الرجل: العرب قادرون على الاكتفاء الذاتى من الغذاء إذا ما استغلوا الطاقات الكامنة لديهم.. فدول الخليج تملك الأموال.. والسودان لديه مساحات شاسعة من الأراضى القابلة للزراعة من بينها 22 مليون فدان من أجود الأراضى الزراعية.. ومصر لديها الكفاءات والخبرات والعمالة الزراعية الجيدة.. إذا توافرت الإرادة السياسية يمكن أن نوفر الغذاء لشعوبنا ونصدر الفائض لدول العالم.. وقال الرجل إن التعاون بين مصر والسودان تحديدًا يمكن أن يحدث نقلة كبيرة للبلدين إذا ما تم استثمار الطاقات الكامنة فى المياه والأرض والقوة البشرية والمادية.. فالسودان يحتاج إلى عمل البنية التحتية لخلق مجتمعات زراعية.

رحم الله المشير سوار الذهب.. فقد كان بحق رجلًا من ذهب.