عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

 

 

التاريخ يُصحح نفسه بنفسه. ورغم إيمانى القاطع بأن التاريخ يكتبه المنتصرون، وأن تزييف السلطة للأحداث أمر معتاد ودائم، غير أننى على يقين أن الله يقيد مَن يُصحح ويُنقى ويُعيد الاعتبار لأناس ظلمتهم جوقة الحكام تشنيعاً وتشويهاً ولو بعد حين.

عندى أمثلة عديدة ربما أولها محمد نجيب الذى عُزل غدراً وحددت إقامته ومنع عن الناس ومُحى اسمه من كُتب التاريخ المدرسى. عانى الرجل بؤساً وحرماناً حتى إن أبناءه لم يكملوا تعليمهم وقتل أحدهم فى ظروف غامضة ودخل آخر السجن، وواجه الباقون اضطهاداً ونفوراً من المجتمع خوف الملاحقة.

حكى لى صديق كان يعمل فى مؤسسة الرئاسة أنه كان هناك بند ثابت فى ميزانية المؤسسة حتى سنة 1984 اسمه «إسكار الرئيس السابق» وهو بند متوارث من عهد عبدالناصر إذ خصص ميزانية ثابتة لشراء صناديق ويسكى دائمة لـ«نجيب» خلال حبسه. ويعنى أن رئيس الجمهورية كان حريصاً على تغييب وعى سلفه، لكنه لم ينظر بأى عطف أو شفقة لأبنائه المحرومين من كل أساسيات الحياة.

غداً تحل ذكرى رحيل «نجيب» الرابعة والثلاثون وهو أعلى قامة من قاهريه. هناك محطة مترو باسمه، وأكبر قاعدة عسكرية لمصر تقترن باسمه. كذلك فقد صنع أحمد مراد ومروان حامد فيلماً رائعاً يجدد الثقة فى صناعة السينما ينطلق من اعتبار «نجيب» رجل الفرصة الضائعة.

أحمد عرابى هو الآخر ظل موصوماً بكل نقيصة حتى اعتبره مؤرخو مصر خلال عهد أسرة محمد على المسئول الأول عن الاحتلال البريطانى، وكأن بريطانيا لم تكن لتحتل مصر فى 1882 لو لم يكن هناك عرابى.

ووصل الأمر أن الشاعر الكبير أحمد شوقى استقبل عرابى عند عودته من منفاه سنة 1901 بقصيدة هجاء يقول فيها «صَغارٌ فى الذهابِ وفى الإيابِ/ أهذا كل شأنك يا عرابى؟»، وكتب الزعيم مصطفى كامل عنه فى جريدة «اللواء» «رجل تهور وساق أمته جاهلاً إلى مهواة الموت الأدبى والاستعباد»، ولم يذكر الخديو توفيق بأى سوء.

وظلت مذكرات الرجل ممنوعة من النشر حتى سقوط أسرة محمد على، ونشرت بعدها بمقدمة محمد نجيب ورد الاعتبار للرجل، وصار لدينا الآن عدة شوارع تحمل اسمه ومحطة مترو ووضع اسمه كبطل عظيم فى كتب التاريخ المدرسى.

مصطفى باشا النحاس زعيم الوفد فوجئ فى أحد أيام تحديد إقامته فى زمن عبدالناصر بفتاة تعمل ضمن تعداد السكان تسأله عن اسمه، ولما أجابها سألته عن وظيفته فتعجب من أثر التضييق والتقييد. وكان عبدالناصر قد حظر نشر اسمه فى أى من الصحف ومنع خروجه من البيت وتركه يواجه المرض فقيراً بعد أن صادر ممتلكات زوجته زينب الوكيل.

ورغم ثلاثة عشر عاماً من الغياب انطلقت الجماهير بعفوية فى جنازة النحاس مودعة الزعيم النبيل ومؤكدة أنه الأنبل والأعظم رغم جوقة المصفقين والمؤلهين لعبدالناصر.

وفيما بعد أنصف المؤرخون مصطفى النحاس واعتبروه أعظم وأنبل الزعماء وما زالت سيرته أنقى وأبقى من كارهيه.

وإذا كان الشاعر محمود درويش قد كتب يوماً «لا تكتب التاريخ شعراً، فالسلاح هو المؤرخ» فإن الأيام أثبتت أن سلاح المحبة والنبل ينتصر ولو بعد عقود وقرون.

والله أعلم.

 

[email protected]