رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مجرد كلام

بحسب اجتهادات  المفكر الراحل د. نصر حامد أبوزيد، فإن الفهم الصحيح للقرآن الكريم لن يتحقق إلا باعتباره « نصا لغويا » أوحى به الله لنبيه محمد فى ظروف تاريخية وحضارية معينة، وأن  «التأويل» هو الأداة أو الآلية التى يمكن من خلالها قراءة هذا النص وفهمه بشكل صحيح.

«التأويل» عند د. أبو زيد هو القضية الأساسية التى أثارت خصومه وأشعلت غضبهم عليه، فالرجل يقدم فى كتابه الشهير  «مفهوم النص » نقدا حادا لمحاولات التلاعب السياسى والفكرى بالنصوص الدينية المقدسة  وتفسيرها أو تأويلها بشكل يخدم أهداف الحكام الذين تعاقبوا على تاريخنا الإسلامى ويحقق مصالح فئات معينة فى المجتمع، أو ليبرر صراعهم على السلطة أو احتكارهم لها، كما يلفت النظر أيضا إلى أن كل اجتهادات الفقهاء التى شكلت تراثنا الدينى، كانت محكومة بثقافة عصرهم وبالأدوات  والمناهج البحثية المحدودة التى توافرت لهم، وكانت هذه الاجتهادات أيضا موجهة لأبناء عصرهم لا عصرنا، تستجيب لاحتياجاتهم  لا احتياجاتنا، وتحاول حل قضاياهم لا قضايانا.

مع تعدد تأويلات وتفسيرات النص القرآنى، يرى د.أبو زيد أن مجال الدراسات الأدبية للنص القرآنى كفيلة بتحقيق ما اسماه «وعى علمى» نتجاوز من خلاله الفوضى الفكرية التى تسيطر على المفاهيم الدينية فى ثقافتنا الراهنة، وبحسب كلامه نفسه فإن دراساته فى علوم القرآن تستهدف ربط التراث بالمناهج العلمية المعاصرة، أو بمعنى آخر محاولة لدراسة التراث من منظور وعينا الراهن، لأن التراث هو مجموعة من النصوص تتضح دلالاتها مع كل قراءة جديدة لها.

كتابات د. أبو زيد قدمت مشروعا فكريا متناسقا ربما أهم ما فيه هو كشفه عن محاولات مؤسسات وجماعات دينية رجعية ومتطرفة لتحويل النص الدينى من وسيلة لتغيير الواقع للأفضل إلى أداة لقمع أى تغيير، بل والأكثر من ذلك إلى المطالبة بإعادة عجلة التاريخ للوراء فى معاداة لسنن الكون وإرادة الخالق نفسه!

نحن فى أشد الحاجة الآن إلى إعادة قراءة أعمال واسهامات د. أبو زيد بشكل مؤسسى يمكن أن يسهم بالنصيب الأكبر في تنظيمه تلاميذه المنتشرين فى معظم الجامعات ومراكز البحوث فى مصر و الدول العربية، سواء بانشاء كرسى بجامعة القاهرة لدراسة أفكاره أو بانشاء جمعية تتولى نشر دراساته ومناقشتها بعقلية نقدية.

قراءة أبو زيد  مطلب مهم ليس لأسباب أو دواع أكاديمية وثقافية فقط، ولكن من أجل مناقشة فكرة تجديد الخطاب الدينى كما طرحها على أسس علمية، بعيدا عن الاكليشيهات الاحتفالية أو المؤتمرات الرسمية التى لا يحضرها إلا خصوم هذا التجديد بمعناه الحقيقى.

ربما تكون أفكار د. أبو زيد هى آخر المحطات التى وصل إليها تيار تجديد الخطاب الدينى، لكنها مع ذلك لم تجد الصدى أو التفاعل الشعبى الذى تستحقه، رغم أهمية هذه الأفكار فى تحرير العقل العربى من القيود السلطوية التى تكبله من جهة، ومن التنظيمات الارهابية التى تكفره من الجهة الأخرى!