رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

الأمم والحضارات لا تسقط أو تنهار هكذا فجأة بين ليلة وضحاها، وإنما يستغرق الأمر عقوداً، بعد أن يتخلل السوس جنباتها فينخر فيها إلى أن تأتى اللحظة أو الحدث الذى يتم التأريخ به لذلك السقوط، فانهيار الإمبراطورية البريطانية لم يتم فجأة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، وإنما كان خاتمة تداعيات وسياسات كان لابد لها أن تصل بالقوة العظمى التى لا تغيب عنها الشمس إلى هذه النتيجة، وسقوط الأندلس من الصعب القول بأنه وقع عام 1492 وإنما سبقه عمليات من الخيانة والتواطؤات كان لها أثرها فى التراجع والانحدار بالحكم الإسلامى انتهت بسقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين هناك فى العام الذى يؤرخ به لذلك الحدث.

من هذه الزاوية يمكنك أن تنظر لفكرة هذا المقال، فتولى الرئيس الأمريكى ترامب ربما يمثل فى حدود سياساته التى انتهجها حتى الآن فى شهوره الأولى خطوة على هذا الطريق.. انهيار الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي..  ليس التفكير هنا بالتمنى جراء ما قام به ترامب من إجراءات لا تنال منا كعرب سوى السخط، وإنما هو تعبير عن تصور يسود حتى فى قلب الولايات المتحدة ذاتها وفى عقول كبار مفكريها ومنهم الراحل هنتنجتون والذى عبر عن تخوفات له فى هذا الصدد فى كتابه «من نحن: المناظرة الكبرى حول أمريكا»، وكذلك ما أشار إليه فوكوياما فى كتاب له حول «النظام السياسى والإضحملال السياسى».

وإن كان كاتباً أمريكياً آخر مثل جورج فريدمان أشار إلى ذلك الأمر بشكل صريح فى كتاب له بعنوان «المائة عام المقبلة» رغم رفضه لهذا التصور حيث راح يشير إلى «وجود اعتقاد راسخ داخل أمريكا بأنها على حافة الهاوية، الأمر الذى يكشف عنه العديد من المظاهر، ويمكن ملاحظته من رسائل القراء للصحف، أو عبر شبكة الإنترنت، أو حتى مجمل الخطاب العام. ويقوم هذا الاعتقاد على أساس أن الحروب الكارثية والعجز المتواصل الذى أفلت من السيطرة، وارتفاع أسعار الوقود وحالات إطلاق النار فى الجامعات والفساد فى القطاع والحكومة ذاتها.. كل ذلك يوحى بأن الحلم الأمريكى قد انهار وأن أفضل أيام أمريكا فى الماضى وليس المستقبل».

ليس المجال هنا تحليل مظاهر تراجع الولايات المتحدة على مستويات عدة فذلك موضع دراسات وأبحاث يمكن لمن أراد الرجوع إليها، وإنما الهدف هنا رصد مشهد مما يمكن اعتباره مجموعة مشاهد فى هذه الرحلة التى لا شك أنها ستكون طويلة..  هو المشهد الذى يحتل فيه ترامب كامل الصورة. وفى هذا الصدد أشير إلى أن مجموعة المواقف والسياسات التى يسلكها ترامب تذكرنى بدرس كنا نتلقاه فى المرحلة الثانوية فى اللغة الفرنسية عن ذلك الولد غريب الأطوار Un drole de Garson.. شخصية ترامب لا تعبر سوى عن تلك الفكرة.. الشخص غريب الأطوار الذى لا تتوقع مواقفه أو ردود أفعاله ولا تدرك حكمتها أو أسباب انتهاجها، ولعل أبسط مثال على ذلك سعيه الحميم للقاء زعيم كوريا الشمالية ثم إعلانه من طرف واحد عن إلغاء ذلك اللقاء ثم تغيير موقفه مرة ثانية وتراجعه فيما يبدو بعد تدخل المؤسسات الأمريكية على أساس أن قراره ربما جاء فرديا على شاكلة العديد من مواقفه.

فى معرض التفصيل يمكن هنا الإشارة إلى ثلاثة مظاهر على الصعيد الداخلى خرج ترامب بمتقضاها عن الصورة النمطية التى اعتادها العالم لأمريكا أولها تراجعه بفعل سلوكياته الغريبة بهيبة المنصب الرئاسى وذلك جانب رمزى له أهميته فى العلاقات بين الدول أو فيما بين مواطنيها. الثانى خروج ترامب عن العمل فى الإطار المؤسساتى من خلال اتخاذ قرارات من على منصة تويتر، وفى ذلك تخليا عن أحد أسس النهضة الأمريكية، الثالث حالة الصراع غير العادية فى مؤسسات صنع القرار الأمريكى والتى غرسها بفعل التغييرات المتلاحقة فى القيادات التى أتى بها لمساعدته فى إدارة دفة الحكم.

على المستوى الخارجى فإن مواقف ترامب تفرض على دول العالم أن تشق عصا الطاعة التى اعتادت الولايات المتحدة أن تصادفها.. فقد أشعل ترامب غضب الأصدقاء قبل الخصوم بقراره فرض رسوم جمركية على واردات الحديد والألومنيوم، وكان موقفه بداية لخلاف يهدد بإشعال حرب تجارية كانت لغة أوروبا حليفة الولايات المتحدة، أقسى من دولة مثل الصين. على المنوال ذاته كان موقف ترامب من الاتفاق النووى مع إيران حيث مثل تراجعه سابقة خطيرة تؤسس لعدم احترام الاتفاقات الدولية بغض النظر عن الأسباب التى أعلنها ترامب وهى سياسية بالأساس، فضلا عن رفض أوروبا للقرار وهو ما انعكس فى بدء مفاوضات مع طهران للتوصل إلى حلول مناسبة تجاوزا للموقف الأمريكي. أما سياساته المتعلقة بالإبتزاز لدول الشرق الاوسط ولغته التى تفتقد لأبسط قواعد اللياقة فى التعاملات الدولية فإنها تظهر أمريكا بمظهر «البلطجى» الذى ربما يحفز فتوات آخرين للوقوف فى وجهه.

فهل يكون ترامب بذلك بمثابة ميخائيل جورباتشوف الذى كان حكمه بمثابة تدشين عملية السقوط الفعلى لإمبراطورية الاتحاد السوفيتى؟.. من المؤكد أن الأمر لن يتخذ المنحى ذاته، ولكن قد يتخذ النتيجة ذاتها وإن بشكل مختلف وبعد حين. إذا لم تجد حديثى مقنعاً فاعتبره ترهات، من كاتب وغلط، على وقع ما فعله ترامب بنا نحن العرب خلال شهور معدودة من حكمه.. وأظن أن لى بعض العذر فى ذلك!

[email protected]