عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مراجعات

 

أيام معدودات تفصلنا عن شهر رمضان المعظم، الذي يحمل رسالة روحانية، ومدرسة سامية للضمير، وفلسفة حكيمة للفكر.. كما يمثل فرصة لبدء حملة تطهير شاملة للنفس، لتصفية الرواسب خلال أحد عشر شهرًا.

قد يبدو هذا الكلام تكرارًا، من باب «وذكِّر»، أو ربما لنيل مثوبة الشهر الفضيل، أو لكي تحل علينا بركات ونفحات الرحمة والمغفرة والعتق من النار، في شهر الصلاة والطهارة والنزاهة والقداسة والتقوى.

لكن الحقيقة أننا أحوج ما نكون لإعادة بدء ترتيب حياتنا بشكل مختلف، في هذا الشهر المبارك، الذي شرَّفه الله بنزول القرآن، وفضَّله على سائر الشهور، فأصبحت أيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، حيث تكون الأعمال مقبولة و«شياطين الإنس والجن» مغلولة!

نتصور أن «رمضان» يمثل فرصة استثنائية تُنقذ الإنسان من استغراقه بتفاصيل الأمور الحياتية اليومية، التى تكون سببًا لانشغاله عن ربه ودينه، أو صلة رحمه، لذلك نعتقد أنه يختلف تمامًا على صعيد القيم والعادات والعلاقات الاجتماعية.

ولكن، إذا كان الإحساس بجوع الفقراء يمثل إحدى فوائد الصوم خلال الشهر الفضيل، فإن المغزى يكمن في الاقتراب الشعوري من الطبقات الفقيرة التي تشكل غالبية المجتمع، ليتحول إلى عُرف إيجابى بين الناس.

إن النفوس تُقاس بدرجة تحملها النوائب وصبرها على المكاره، ولذلك يعد «رمضان» نِعم المُربِّي، لأنه شهر الاستغفار وكبح النفس عن مشتهياتها، كما أنه فرصة تتجدد لوضع برنامج جديد، يكسر الملل والروتين التقليدي.

«رمضان» ليس للصيام فحسب، بل هو شهر التربية على أكثر من صعيد، كما أنه ليس للتعبد والاعتكاف فقط، بل يتعدى ذلك في العطاء الكريم بالصدقات، وتحسين الأخلاق، والتوبة من الذنوب، والابتعاد عن الموبقات، والالتجاء إلى الله سبحانه بالدعاء.

المؤسف، أن هذه «الفلسفة» التي يجب أن يكون عليها الشهر الفضيل، تحولت مع الممارسات الخاطئة المتكررة ليصبح «رمضان» شهرًا للتسول والحرمان، والاستفزاز أيضًا، حيث يشهد موجة هجوم كاسح من الأعمال التلفزيونية التي يتم التنويه عنها قبل أشهر، لتحاصر «الصائم» قبل انطلاقتها!

مع الأيام الأولى للشهر الكريم، يتبدد الانتظار، حين يُصاب الصائم بالدهشة عندما يتابع معظم تلك «السخافات»، التي تُظهر حالة من التناقض المجتمعي الحاد.. من إعلانات «التسول» والتبرع بالصدقات والزكوات، إلى إعلانات القصور الفارهة والمصايف والشاليهات والعطور والمجوهرات، التي نلاحظ أن محتواها صادم للمتلقي، وكأننا على موعد سنوي في شهر رمضان لزيادة جرعة «التسول»، وتكريس «الطبقية» بين الناس!

في كل ما يعرض على الفضائيات، تصطدم المشاعر بتكرار إعادة بعض المشاهد لشريحة كبيرة من المجتمع، ما بين جوعى ومرضى ومحتاجين، وآخرين مصابين بالتخمة من الثراء الفاحش، في استفزاز واضح لمشاعر البسطاء الكادحين المطحونين!

ورغم الغلاء الفاحش والأسعار الفلكية، ومعاناة الفقراء الغارقين في وحل بحور التعويم منذ سنوات، ويمثلون الشريحة العظمى في المجتمع، كما يئنُّون تحت مستوى قاع خط الفقر، إلا أن شهر رمضان أصبح عادةً وعنوانًا للإسراف والتبذير!

لا نبالغ عندما نقول إن الأمر في شهر الصوم تعدى مرحلة الكسل والتراخي، ليصبح شهرًا من السلوكيات الخاطئة والعادات السيئة.. شهرًا لإضاعة الوقت في مسلسلات تافهة وبرامج مسابقات تستغبي المشاهد.. شهرًا للفتاوى والتدين الزائف، شهرًا لـ«اجتهاد» فقهائنا الإعلاميين ومشايخنا الفنانين!!

[email protected]