عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

.. ولأن وقبل الكلام عن ثورة ما يسمى «التصحيح» التى قام بها الرئيس الراحل أنور السادات أن نفرد لعلاقة السعدنى بالعم هيكل مساحة لكى نستطيع أن نتعرف على ما جرى فى يوم 13 مايو من العام 1970، كان السعدنى من قراء هيكل ومريديه وعشاقه ومحبيه وهو الذى أطلق عليه لقب «أعظم صحفى أنجبته أمة محمد»، وقد كنا أثناء رحلة المنفى الاختيارى فى عراق صدام حسين وبغداد من كبيرها إلى صغيرها لا حديث لديهم سوى زيارة «الأستاذ» هيكل، وطلب السيد طه يس رمضان من السعدنى أن يزوره فى مكتبه، وهو مكتب لا تحلم به قادة ورؤساء الدول العظمى حيث مقر القيادة القومية للحزب أمام حديقة الزوراء، وهناك سأل طه يس رمضان، السعدنى سؤالاً محدداً هل يمكن أن يخلف الأستاذ هيكل السادات فى حال غيابه، وبالطبع لم يستطع السعدنى أن يكتم ضحكة أعقبها شىء غضب له بشدة طه يس رمضان، فقال محتداً أنا بأسأل سؤال مش باقول نكتة يا أستاذ.. فقال السعدنى إنه لا فرق بين سؤال سيادتك والنكتة، فأمسك طه يس رمضان بعلبة سيجار فاخرة من صنع كوبى وأشعل سيجاراً، وقال للسعدنى: كيف يعنى هذا الكلام، ويقول السعدنى: إن هيكل لا يصلح لأى مهنة فى الكون غير المهنة التى سيعيش وسيموت وهو حريص عليها، وهى الصحافة، فهو أيضاً بالإضافة إلى ذلك صانع ملوك من طراز عظيم، وصانع الملوك لا يصلح أن يكون فى محل الملك تماماً مثل السياف صانع السيوف هل بالضرورة أن يكون فارساً، انشرح صدر طه يس رمضان وبدا على وجهه علامات الارتياح؛ لأنه ظن فى البداية أن السعدنى يسخر منه.. وهنا يسأله السعدنى عن سر هذا السؤال فيجيب طه يس رمضان بأن القيادة قررت أن تستضيف الأخ هيكل لإطلاعه على بعض الملفات المهمة، والغريب أن السعدنى طلب من المسئول العراقى الرفيع أن يرتب له مقابلة مع الأستاذ ووعده الرجل خيراً.. هذا الكلام كان يدور فى الوقت الذى بلغت فيه الحرب العراقية - الإيرانية عامها الثامن، وكنا فى جامعة بغداد، كلية الإدارة والاقتصاد، أمل شقيقتى الأصغر منى وأنا، بينما هالة شقيقتنا الأكبر فى المبنى المقابل لنا فى كلية القانون والسياسة.. وكل زميلاتنا العراقيات خلعن الزى الموحد المفروض فرضاً على كل الطلبة واتشحن جميعاً بالسواد بعد أن بلغت أعداد الشهداء رقماً مفجعاً.. وجاء هيكل إلى بغداد وقابل جميع المتنفذين فى القيادة العراقية، ولكنَّ أحداً لم ينقل إليه رغبة السعدنى فى اللقاء.

وبالطبع علاقة هيكل بالسعدنى تمتد إلى أعماق بعيدة فى عمر الزمان، وشهدت أحداثاً كانت كفيلة لا بأن تقطع شعرة معاوية، ولكنها تحرق كل حبال الود مهما بلغت مكانتها ومهما ارتفعت متانتها ولكن يا سبحان الله كان للسماحة والرحمة داخل أبناء هذا الجيل ما يسمح للخلاف بأن يذوب وللمشاكل المستعصية أن تجد طريقها للحل وللمراحب الحارة أن تبقى أبداً وللاحترام المتبادل للمواهب العظيمة أن يظل هو الأساس فى العلاقة، وقد كان للسعدنى روح صافية ونفس راضية واستعداد دائم للصفح ونسيان الإساءة، وإن لم ينس لأحد فى حياته معروفاً صنعه معه على الإطلاق.. وحدث ذات يوم فى الستينيات من القرن الماضى أن اتصل الأستاذ هيكل بالسعدنى وصلاح جاهين معاً، وكان السعدنى هو النجم اللامع فى عالم السخرية الذى حول زاوية فى «صباح الخير» «هذا الرجل» إلى زاوية مصرية وعربية يتابعها كل محبى القراءة فى عالمنا العربى. أما صلاح جاهين فقد كان عبوة متفجرة ناسفة من المواهب اجتمعت فى شخص واحد فهو رسام الكاريكاتير الأشهر والأجمل والأظرف والأكثر إبداعاً، وكان أيضاً نجماً من نجوم صباح الخير فى عصرها الذهبى الأوحد، واكتشف السعدنى وجاهين أن الهدف من لقاء الأستاذ هيكل فى الأهرام هو الاستعانة بهذا الثنائى الرائع الذى كان يشبه ثنائيات كرة القدم شحتة والعربى فى الإسماعيلى ومصطفى رياض والشاذلى فى الترسانة، وأن الأستاذ يريد إصدار مجلة جديدة فى «الأهرام»، وهى أول مجلة فكاهية ساخرة تتبع أعرق الجرائد المصرية واقترح الأستاذ هيكل أن يكون اسم المجلة «أبو الهول» وبمجرد أن سمع السعدنى الاسم انفجر ساخراً وقال.. يا عم هيكل أنت صحفى عظيم ورئيس تحرير وجورنالجى ما حصلتش فى تاريخ البشرية حد فى الدنيا يسمى مجلة «أبوالهول» ووافق عمنا صلاح جاهين على رأى السعدنى.. ولكن الأستاذ قال.. على فكرة مع مرور الزمن الناس حتتعود على الاسم وتأخذ عليه ولازم نعرف إن حتى اسم الأهرام مش اسم سهل، لكن بعد ما صدر الأهرام الناس اعتادت عليه.. وبالطبع فاتح السعدنى وصلاح جاهين الأستاذ إحسان عبد القدوس بالأمر الذى ثار للمرة الأولى على غير طبيعته واعترض بعنف واعتبر أن الاستيلاء على السعدنى وجاهين هو عملية المقصود بها فشل مجلة «صباح الخير»، وهو أمر لا يمكن السكوت عليه.. وبالفعل صعَّد الأستاذ إحسان المسألة إلى أعلى المستويات حتى انتهت إلى مسامع الرئيس عبدالناصر الذى وجه بعدم الاقتراب أو المساس بنجوم الصحافة فى مؤسسة «روزاليوسف» وهكذا كتب على مشروع مجلة «أبوالهول» أن يخيم عليه الصمت العظيم فأصبح اسماً على مسمى.. ولكن حكايات هيكل والسعدنى لم تنته على الإطلاق بل إنها دخلت مراحل اخرى وتشعبت فقد حدث أن توترت العلاقات مع السودان الشقيق بسبب مقالات كتبها الأستاذ هيكل فى «الأهرام» أو الأستاذ موسى صبرى فى «الأخبار» وأحدثت غضباً شعبياً رهيباً، ذلك لأن شعب السودان يقرأ كل حرف يصدر في هذه الأيام سواء فى الصحف أو المجلات أو الكتب التى تصدر فى مصر، وذهب اثنان من الصحفيين الذين لديهم رصيد طيب لدى السودانيين سواء مسئولين أو ناس عاديين وهما الأستاذ أحمد حمروش والسعدنى، ولكنهما وفى أثناء ندوة حضرتها أعداد غفيرة أشار أحدهما إلى الأستاذ حمروش وقال: «موسى صبرى أهه».. مع أن الأستاذ حمروش أصلع الشعر منذ زمان بعيد بينما عم موسى صبرى مات وشعر رأسه كما هو يوم ولدته أمه.. المهم انقلبت الندوة الفكرية إلى معركة بالكراسى، هربت المنصة بأكملها سواء من الصحفيين السودانيين أو مقرر الندوة ومديرها وعلى رأس الجميع كان السعدنى فى المقدمة ومن خلفه عمنا حمروش ويصرخ حمروش والجموع تتابعهم أنت عارف انت رايح على فين.. بالطبع لم يرد السعدنى وادخر الهواء الذى فى صدره لعملية الجرى وليس لعملية الكلام.. وبعد عشر دقائق كان السعدنى أمام مبنى السفارة المصرية وقف يلتقط بعض الأنفاس ثم لحقه حمروش وأطلق السعدنى صرخة من أعماقه، أمر حارس البوابة بفتحها وبالفعل دخل هو وأحمد حمروش واحتميا بالسفارة التى التف حولها جمع عظيم العدد لو حدث وأمسكوا بالسعدنى وحمروش لكان هناك كلام آخر.

المهم أن أحد المسئولين السودانيين من القيادات العليا ربما يكون السيد خالد الحسن، وزير الدفاع السودانى إذا لم تخنى الذاكرة، وسحب السعدنى من يده وذهب إلى منزل والدته.. وفى هذه الأيام كان السعدنى قد حقق شهرة عريضة من خلال الإذاعة بمسلسلات «الجدعان» و«الولد الشقى» و«بنت مدارس» ومسلسل تليفزيونى «الأفريكى» وعندما دخل المسئول السودانى وبصحبته السعدنى على والدة السيد خالد الحسن.. قال لأمه.. يا أمى.. أنا جئت ومعى ضيف من مصر.. هو صاحب أقبح لسان فى الصحافة العربية وأمة العرب وألقت السيدة العجوز نظرة على الولد الشقى، وقالت من فورها: هذا محمود السعدنى يا ولدى.. وضحك السعدنى من أعماقه وكانت السيدة العجوز تقرأ مجلة «صباح الخير» وتستمع إلى إذاعة صوت العرب، والغريب فى الأمر أن السيدة العجوز طلبت من السعدنى أن يجلس الى جوارها فى بيتها المتواضع وقالت: تعرف يا ولدى أكثر مقال انا انبسطت منه ووقعت من الضحك وكنت حطلع فى الروح.. هو إيه.. قال السعدنى هو إيه!!.. فقالت السيدة العجوز انت مرة كتبت عن واحد من الاسرة السعودية اسمه خالد بن الملك سعود اللى اتجوز شمس البارودى وصباح وسهير رمزى، وكتبت أن مصر ولله الحمد أصبحت راسها براس السعودية ففى السعودية أمراء وعندنا ايضا اصبح هناك أميرات فبعد زواج كل الستات الفنانات من أخونا الأمير خالد أصبحن صاحبات سمو ملكى.. وأنهى السعدنى هذا المقال بجملة قال فيها:

يا أيتها الأميرات الجدد المتزوجات من الأمير خالد

اللهى تنهرشن فى سموكن!

ثم أطلق المسئول السودانى الكبير ضحكة من أعماق التاريخ وكاد يفقد توازنه.. ولكن والدته قالت: انت يا ولدى «والكلام موجه للسعدنى» تعلم أن مصر تكتب وأول من يقرؤهم أهلكم فى السودان وما كتبه هيكل وموسى صبرى أغضبنا، وأدخل الحزن فى قلوب كل السودانيين الذين هم أهل للمصريين وأمام الحضور جميعاً، وكان وسطهم أحد كبار الصحفيين السودانيين وفيها الأستاذ هيكل يطلب السعدنى لأمر بالغ الأهمية.

وبالفعل اتصل الأستاذ السعدنى وطلب منه أن يزوره فى مكتبه فى اليوم التالى مباشرة.