رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

ذهب حليم إلى حيث الفندق الذى يقيم فيه السعدنى فوجد هالة تعيش فى حالة من الاسى الدامس.. فقد تركها السعدنى ظنًا منه أن بيئه حارة سمكة يمكن توفيرها لهالة فى لندن ومن هنا سوف تكتسب هالة حالة من المناعة واندهش حليم من الوضع المرزى لهالة.. وقال لها.. ايه ده يا هالة.. لو البوليس عرف انك قاعدة لوحدك وانك عايشة وسط الزبالة دى ح يقبضوا علي أبوكى.. ووجد حليم عيش بتاو وبرطمان طرشى وزلعة مش فضرب كفًا بكف وهو يقول.. هو محمود فاكر أنه رايح زيارة لجده فى كفر القرنين وضحك حليم من اعماق قلبه وهو يقول ما فيش فايدة السعدنى ح يفضل السعدنى مش ح يطلع من الجيزة عمره.. وامسك حليم بسماعة التليفون وتحدث إلى شقيقته "عليه" وقال لها إنه قادم ومعه هالة بنت السعدنى لأن أبوها رماها فى الأوتيل وجرى ويضحك حليم وهو يمسك بيد هالة ليخلصها من البيئة التي اراد السعدنى أن يضعها فيها وكأنه يستدعى بالفعل كفر القرنين فى عاصمة الضباب.

وهناك وجدت هالة نفس الرعاية التي كانت تتلقاها من أمنا تحولت علية إلى حاضنة لهالة.. وأحضر حليم لهالة من احد المحال الشهيرة مجموعة من الألعاب الكهربائية والعرائيس جعلت هالة فى حالة سعادة دائمة وعندما جاء السعدنى ليزورها.. وبعد أن قضى مع حليم والسيدة علية السهرة قال لهالة.. يا للا يا هالة تعالى نروح بقى.. ولكن هالة ولأول مرة تقولها بأعلى الصوت.. لأ.. أنا قاعدة هنا.. ويضحك السعدنى وهو يقول لها آه يا بنت «الكلب» ورفضت السيدة علية أن تذهب هالة مع السعدنى ويقول حليم للسعدنى.. انت ازاى عديت يا محمود بالمش من المطار فقال السعدنى.. أنا ح اكلك أكلة مش موجودة غير فى الجيزة.. فقال حليم ايه هى.. ويرد السعدنى.. ح اعملك كوارع ما حصلتش ويضحك حليم ويقول.. انت ما سافرتش من مصر يا محمود انت فعلا عايش لسة فى الجيزة وبالفعل يدعو السعدنى حليم ومحسن سرحان وطالبة مصرية اسمها عائشة اصبحت عالمًا بعد ذلك فى تخصصها حيث كانت تدرس فى الجامعة فى بريطانيا وبالفعل كانت المائدة عامرة بشوربة كوارع لا مثيل لها فى الكون على رأى السعدنى ويعود حليم ليسأل بدهشة كيف استطاع السعدنى أن يحصل على الكوارع فى لندن وكان هذا الكلام فى العام 1963 وظل السعدنى محتفظًا بالسر حتى حان موعد مغادرته لانجلترا بعد أن قرر الدكتور دونالد بروكس أن يجرى عملية جراحية لهالة فى العام القادم.. فأخذ السعدنى اصدقاءه دون حليم الذى غادر لندن وذهب بهم إلى جزار استطاع السعدنى أن يبلشفه ويجعله من اصدقائه المقربين وقد شعر الجزار انه يعرف السعدنى منذ قديم الأزل ويقف السعدنى ومن خلفه شلة الأصدقاء «اكيلة» الكوارع وهو يقول للجزار أنه مغادر لعاصمة الضباب وأنه جاء خصيصًا للسلام عليه فسأله الجزار لماذا السفر بهذه السرعة وقال السعدنى إنه انهى مهمته فى لندن ولأنه صحفى فعليه أن يعود إلي عمله ويسأله الجزار وماذا فعلت فى الكلاب هل ستأخذها معك إلى مصر.. فقال السعدنى.. لا.. الكلاب سوف تظل هنا.. فقل الجزار إذن أرسل لى من يأخذ الكوارع دون مقابل للكلاب حتى تعود.. فنظر السعدنى خلفه وهو يشير إلى مجموعة اصدقائه.. على فكرة هم دول الكلاب اللى بياكلوا الكوارع.. ويضحك الجزار من قلبه ويسأل كيف يمكن لهؤلاء البشر أن يأكلوا الكوارع ويعد السعدنى الجزار بأن يضمه إلى «كلابه» أكلة الكوارع عندما يعود فى العام القادم لعلاج هالة ويتعانق الرجلان ولسان حال كل منهما يقول..ويجمع الله الشتيتين بعد أن يظنان كل الظن أن لا تلاقيا..

ويودع السعدنى عاصمة الضباب ومعه هالة ويأتى فى الليل سرًا لكى يقبلنى دون أن يوقظنى لكى استكمل العلاج باكتساب المناعة فى حارة سمكة وهو يوصى أمه (ست أم محمود) بأن تصنع نفس الشىء الذى كانت تصنعه مع أولادها ولذلك فقد كانت ستى تستوقف راعى الغنم الذى يسعى بالماعز فى الوسعاية التي تزخر بكل أنواع الزبالة فيسرح الغنم وتاكل كل شىء من الورق إلي البلاستيك إلي الزلط والحجارة وكل الأوساخ ثم يأتى الرجل بالمعزة.

 

ويمسك رأسى لكي أرضع من لبن المعيز من المصدر مباشرة بالطبع كانت عملية تعذيب حقيقية ولكنى لم أكن أستطيع أن أرد لستى طلباً وكنت أتجرع هذا السم مكرها وفى الحارة صحبتنى ستى الى حفلات عجيبة الشأن علمت بعد ذلك أن اسمها الزار حيث يقوم رجل مشعوذ يرتدى ملابس الهنود الحمر ويمسك بسيدة تدخل فى دور الدروشة ويبدو عليها أنها مغيبة أو أن قوى أخرى بعيدة عن البشر تسكنها وتظل هذه السيدة بصحبة الرجل الشبيه بالديك تتنطط وتتشقلب وتهز رأسها ذات اليمين وذات الشمال فى دائرة تشكل هى أولها وأنا وستى آخرها وبيننا أغلب نسوان الحارة حتى تقع السيدة على الأرض ترفرف كما الطير المذبوح.. ويقوم الرجل بضربها بخرزانة على  كل جسدها وهى تصرخ وكأنها تنازع وحشاً كاسرا وتقوم سيدة أخرى بذبح فرخة أو ديك ورش الدم عليها وكنت أسأل ستى عن سر هذه الحفلة الراقصة التى كنت قد تعودت  عليها بل وأصبحت أسعى إليها وأتمنى المزيد منها فقالت ستى.. النسوان دى مش بتخلف تقوم تعمل الزار ده علشان تخلف وساعات  فى أرواح غريبة بتسكن النسوان دول إما يكونوا عدوا على عمل أو حد عمل لهم  عمل.. الزار ده يخلصهم من الحاجات دى.. ولم أهتم كثيراً بتفسير ستى ولم أفهم أيامها معنى العمل والأرواح ولكنى هدفى الأوحد هو الاحتفالية البديعة.. والأهازيج والأدعية التى كان يرددها الجميع وسط حركات راقصة وتمايل للجميع فى دائرة محكمة تستغرق أحياناً أوقاتاً طويلة طويلة جداً.

وذات زار كنا فى الشتاء أصابنى برد لم أر له مثيلاً فى حياتى.. وكان العلاج عجيباً فقد جاءت ستى بقالب طوب أحمر قامت بكسر جزء منه وطحنه فى الهون وقالت لى «سف ده» وكنت أشرب الميه من القلة أو الأبريق الموجود وسط صينية مملوءة بالليمون وهى وسيلة الشرب التى ظل السعدنى طوال عمره وفيا لها.. وكانت ستى تلقى بالمنديل المحلاوى فى المياه المتخلفة من القلل والصينية، وتقوم بنزع هدومى وتفرش المنديل على صدرى طوال الليل.. وفى الحارة اكتشفت أن رجلاً عجوزاً تجاوز التسعين من عمره كان يداوى داء الركبتين بطريقة عجيبة لم يستطع أحد أن يفسر لى سرها فقد كان عم «حنا» جارنا فى الحارة وصاحب أجمل البيوت فيها يوصى الزبالين بأن يجلبوا له أكبر قدر من الخنافس.. وعلمت أنه يقوم بطحن هذه الخنافس فيخرج منها سائل يميل الى الاخضرار يقوم بدهن هذا الناتج بركبتيه وبعدها يستطيع عم حنا أن يسير كما شاب فى العشرين من عمره فكان إذا مر بنا أنا وأولاد أم صفيح فى الحارة شاركنا فى لعب الكورة ولأنه لم يكن هناك من يملك كورة فى الحارة بأكملها فقد كنا نلعب بالزلط أو الصفيح وكان عم حنا رجلاً ودوداً للغاية لا تسمع له حسا وليس له عداوات عاش فى الحارة أكثر من  70 عاماً اكتسب خلالها ود ومحبة الجميع لذلك فقد مات عم حنا وسارت الحارة بأكملها خلفه وعلى رأس المودعين أطفال الحارة الذين كان عم حنا يوزع عليهم نوعاً من الملبس لا تجده سوى عنده ولكن اكثر ما أسعدنى من شخوص الحارة كان عم عبده المكوجى الرجل الذى فتح دكانه للسعدنى ولأبناء الحارة وهم أطفال صغار لكى تتفتح مواهبهم ويستمعوا للمرة الأولى الى مسرحيات يوسف بك وهبى وإلى غناء عبدالوهاب من خلال حنجرة عم عبده التى كانت تشبه شكمان سيارة حزمه صاحبه لكى يحقق أكبر قدر من الضجيج.