رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عسل أسود

وجد الزمان يبكي ذات يوم، بعدما فقد الأمل في غد أفضل، بعدما اكتشف أن أحلامه جميعاً مجرد أوهام، بعدما عرف أن رغبته في الإصلاح ترتد له دائماً خائبة الرجاء، ليس فقط لضعفه وقلة حيلته، وليس لأنه بلا رؤية أو جلد علي الأيام، لكنه بكي عندما اكتشف أنه لا أمل مع خوف بات يسيطر علي الجميع بلا استثناء، خوف يتحكم فيهم ويحولهم إلي عبيد للمناصب والنفوذ أو للمصالح والأموال، خوف تشتد قسوته عندما يخاف الناس علي أرواحهم وأولادهم و«لقمة عيشهم» التي أصبحت بعيدة المنال ويتحصلون عليها بالقهر وذل الحال، بكي الزمان عندما تم تكميم الأفواه وإخراس الألسنة، وكلما يحاول أن يخفف دموعه، يجد صفعة تطرحه أرضاً مرغماً فلا يستطيع أن يري مستقبله من بين النعال.

اكتشف الزمان واكتشفنا معه - بعد عمره الطويل وعشرته بالدنيا - أن عدونا الحقيقي هو الخوف، أنه أساس كل فساد، وعنوان كل استبداد، وبداية كل فشل، وطريق المشي فوق كل مقهور ومظلوم، وسلاح كل فاسد أو حاكم يستخدمه وقتما يشاء وحيثما يشاء، لدرجة أصبح الخوف قاسماً مشتركاً بين الجميع، فضاعت القيم والأخلاق وتراجع الخير والحق والعدل، فهناك من يخاف علي نفسه ومصالحه، وهناك من يخاف علي كرسي يملكه أو كنز يحرسه، فتمكن الخوف من الجميع لدرجة أننا أدمنا العقاب ولم نراهن علي الثواب، أدمنا التهديد والوعيد ولم نراهن علي العمل والنجاح، تصورنا زوراً وبهتاناً أن سياسية العصا هي من تفلح مع شعوبنا، وأن شراء الذمم مفتاح بقائنا، وأن تقريب شلة المنتفعين والمنافقين سيكفي لتزييف واقعنا، وإيهام شعوبنا بأن مستقبلاً مشرقاً ينتظرنا.

وفي تلك الأثناء ظل الزمان يبكي، يبكي دون توقف، بعدما وجد أن عمره قد ضاع هباء، وأن السراب مازال يحاصره من كل اتجاه، وأن ثوراته مجرد أضغاث أحلام، وأن أحلامه كما الأوهام لا تسمن ولا تغني من جوع، أحلام من سكوت وليس لها صوت مسموع، تباع بأبخث الأثمان علي نواصي شوارع الفقر، وبيوت الألم والمرض، يشتريها الفسدة وسارقو الشعوب في انتخابات البرلمان لنعود كما كنت للمربع صفر في برلمان يضم الفسدة القدماء والجدد، أحلام تذوب مثل الحديد في أول حريق «قطر»، وتغرق في قلب المحيط وتأكلها أسماك القرش في أيام الغش، وفساد متعدد الاتجاهات وبألف وش وش.

وعندما حاول الزمان استكمال مسيرة في تلك الحياة اكتشف أنه زمن شعارات وهتافات مضيعة وقت، فلا الناس لقية عيش من غير ذل، ولا الحرية ظهر لها جناحات، حرية صوتها مكتوم وملزوم يصمت من ساكت والا لياليه تتحول ظلام واتهام وكلابشات، أو تتحول إلي مسخرة ورقص وصاجات، وسفالة ودعوات مشبوهة للتجارة بالأجساد والأعراض، والكرامة الإنسانية متهانة في اليوم مئات المرات، والعدالة الاجتماعية مجرد كلام في ظل سياسات مازالت تنحاز للأغنياء ولا تعترف بحقوق الفقراء، سياسات تحول الغلابة لمجرد أجرية، والأثرياء لمصاصي دماء، فيظل العداء بين الطبقات وتموت أي فرص للصعود نتيجة العمل والبناء.

وعندما ينتهك الزمن يكتشف أنه اشتري التروماي فالصعود في الأوطان لا يمنح للشرفاء، فبلادنا تحتاج خدماً وليس شركاء في المسئولية، والخادم حتى يتم تصعيده لابد أن يكون «علي رأسه بطحة، حتى لا ينسي نفسه أو يفكر في يوم يعض إيد سيده»، فالمعيار هنا هو الولاء والطاعة العمياء والرضا بالفتات من سكات، والمشاركة في الفساد جواز مرور لضمان السيطرة عليك، وتصبح من الأعداء ويكتب علي ملفك «غير مضمون الجانب» لو حاولت تتكلم عن شراكة وحقوق إنسان أو حتى سكن آدمي أو علاج مجاني أو فرصة عمل بالكفاءة وبدون استثناءات، وطن يستحق الأفضل ويكون ملك لكل أبنائه، هتكتشف أنك واهم وأن الوساطة والمحسوبية وكروت التوصية أصبحت من أساسيات حياتنا، وأن النظام أي نظام يعتمد عليها في توزيع المحسوبيات وضمان الولاءات، ويدرك أن تورط الكل في الفساد مهم لإجبارهم علي الاستمرار كعبيد في زمن اندثرت فيه أخلاق الأسياد، وكأن آفة كل الأنظمة واحدة علي مدار التاريخ فهي تبحث عن عبيد وليس أسياد، تبحث عن مسبحين بالحمد ومقدسين الأمجاد ولا تسمح بصوت النقد حتى لو كان في الحق، فرجال الأنظمة في بلادنا لا ينطقون عن الهوي!!

يبكي الزمان وهو يكتشف غياب دولة القانون، وأن الدستور مجرد حبر علي ورق يستخدم في المناسبات فيصبح عظيماً وقتما يشاءون أو يتحول إلي «مكتوب بحسن نية ويحتاج لتعديل» في زمن الشيزوفرينيا السياسية، عندما أدرك زماننا أن الصراع أكبر بكثير من أحلام البسطاء أو الغلابة سكان هوامش الحياة، وأن اللعبة فيها عسكري واحد وملايين الحرامية، وأنه ليس كل الأصدقاء هم أصدقاء، وأن العداء في الخفاء وليس العلن، والصراع بين الكبار أشد قسوة سواء كانوا دولاً أو أركان نظام، وأن الديمقراطية والحياة الحزبية والتغيير للأفضل والمشاركة والمساواة شعارات ماتت تحت أنقاض الوطن ولم يتبق إلا شعار البقاء للأقوي والأكثر شراسة وسفك دماء، وأننا جميعاً مجرد وقود لمعركة لا ناقة لنا فيها ولا جمل، بكي الزمان عندما ضاع منه الأمل فهل هناك من يعيده.. رغم أنني لا أعترف باليأس، إلا أنني أخشي أن تشعل الحرائق الوطن.

[email protected]