عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الوثائق تتضمن كتب التوراة والتلمود وقصص الأنبياء والتفاسير الدينية

آلاف المخطوطات تسرد التاريخ الاجتماعى والاقتصادى لمصر الفاطمية والأيوبية

«شختر» المكتشف الحقيقى لها هرّبها للخارج بدعم من يوسف باشا قطاوى

مئات الآلاف من الوثائق نهبت وبيعت لمكتبات أوروبا وأمريكا

الوثائق اليهودية فى مصر.. الجنيزا القاهرية

 

كلام صور: يوسف قطاوى

معبد ابن عزرا بمجمع الأديان بمصر القديمة

مخطوطة من «الجنيزا» بمكتبة كمبريدج باللغتين العبرية والعربية

 

الجنيزا القاهرية «Cairo Geniza»، اسم يطلق على المكنوزات التى عثر عليها فى المعبد اليهودى المسمى معبد ابن عزرا فى الفسطاط «مصر القديمة»، ويرجع معظمها من الناحية التاريخية إلى العصرين الفاطمى والأيوبى «969م – 1250م»، وهناك وثائق قليلة من العصر المملوكى «1250م – 1517م» ووثائق أقل من القرن السادس عشر الميلادى، فمكنوزات الجنيزا تغطى فترة زمنية طويلة تمتد حوالى تسعة قرون، من القرن التاسع الميلادى حتى القرن التاسع عشر الميلادى تقريباً.

و«Geniza» فى العبرية اسم مشتق من الفعل «Ganaz» ويدل على الإخفاء والتخبئة والكنز، وتشترك معظم اللغات السامية «الآرامية، السريانية، الحبشية، العربية» فى وجود الجذر الثلاثى «ج ن ز» بدلالة الإخفاء والجمع والكنز.

أما عن أسباب نشأة عادة كنز المكنوزات عند اليهود، فقد وردت بعض الشواهد فى المصادر اليهودية تعد بمثابة دوافع أو أسباب لنشأة عادة الكنز عند اليهود، منها ما ذكره حسداى بن شفروت فى رسالته لملك الخزر، على لسان شيوخ جيله: «لقد أخفينا كتب التوراة وغيرها من الكتابات الدينية فى مغارة أثناء فترة القلاقل التى مرت بنا».

فيتبين من ذلك أن سبب الدفن هو الحفاظ على الكتب وخشية أن يمسها أحد بسوء، وقد ورد فى باب السبت فى التلمود 115/أ أن الربى يوسى ذهب ذات مرة إلى الربى جمليئيل، فوجده يقرأ فى ترجوم سفر أيوب وهو من أسفار الأبوكريفا، فأخذ السفر منه وكلف شخصًا بأن يدفنه بين أحجار الجدار، فدفنه. ويتبين من ذلك أن من أسباب دفن الكتب هو كراهية قراءتها، أو لأنها غير معترف بها.

وقد تم العثور تحت أساس معبد قديم فى مدينة مغنسا عند هدمه سنة 1850م على مخطوطة تضم تفسيرًا قام به راشى لأسفار الأنبياء، وهو تفسير غير كامل وقد تم دفنه لوجود أخطاء عند نسخه.

كما دفن اليهود القراءون كتبهم فى مغارات وفى باطن الأرض خوفًا من بطش اليهود الربانيين.

أما عن السبب الذى دفع يهود مصر إلى كنز الكتب والأوراق فيبدو من وثائق الجنيزا، القديمة والجديدة، أن يهود مصر قد اعتادوا أن يكنزوا الأوراق التى كتبت بحروف عبرية نظرًا لقداسة اللغة العبرية وحروفها فهى من وجهة النظر التراثية تعتبر اللغة التى كلم الله بها آدم عليه السلام وموسى من بعده، لذلك خلعوا تلك القداسة على كل ما كتب بها، فأى ورقة كتبت بهذه الحروف تعد مقدسة ويجب على اليهودى إذا استغنى عنها، أو لم تعد له حاجة بها أن يحفظها أى «يجنزها» فى بيته ثم يقوم بنقلها بعد ذلك إلى مكان مخصص لهذا الغرض فى المعبد، وعندما يمتلئ المكان المخصص للكنز فى المعبد، كانوا ينقلون محتوياته إلى المقابر وكانوا يشيعون هذه المكنوزات كما يشيع الميت، ويدفنونها كما يدفن الميت فى المقابر فى «أحواش» أعدت خصيصًا لهذا الغرض، مما يعنى أن اسم «جنيزا» العبرى قد أخذ دلالة الاسم «جنازة» فى العربية الذى يعنى «الميت أو السرير مع الميت، ومن ثم المشهد، وأيضًا كل ما ثقل على قوم واغتموا به».

ويتبين من وثيقة تم استخراجها من مقابر البساتين، جنوب شرق الفسطاط، ومؤرخة بتاريخ 18 ديسمبر 1949م الموافق الأحد 27 كسليف 5710 للخليقة، أن نقل «الجنيزا» من المعبد إلى المقابر كان يتم فى طقس احتفالى يدعى إليه أبناء الطائفة، والوثيقة عبارة عن إعلان عن يوم نقل «الجنيزا» التى تجمعت على مدى ثمانية عشر عاماً، وتدعو أبناء الطائفة إلى المشاركة فى «الجنازة» إذ سيتم نقل المكنوزات من كنيس الأستاذ بحارة اليهود الساعة 8.30 صباحًا بعد صلاة «شحريت»، كما تدعو الوثيقة أبناء الطائفة إلى التبرع لتغطية نفقات الحمالين والحفارين والدفن. وهذه الوثيقة من مجموعة الوثائق والأوراق التى أطلق عليها اسم «الجنيزا الجديدة» أو «جنيزا البساتين» التى استخرجها قطاع الآثار الإسلامية التابع لهيئة الآثار المصرية فى نوفمبر 1987م، من الجزء الجنوبى من حوش الدفن الخاص بعائلة موصيرى، تمييزاً لها عن مجموعة الأوراق والوثائق القديمة التى استخرجتها عائلة موصيرى من هذه المقابر عام 1908م وتم نقل معظمها إلى مكتبة جامعة ستراسبورج فى فرنسا.

ومعبد ابن عزرا الذى اكتشفت فيه «الجنيزا القاهرية» معبد خاص بطائفة اليهود الربانيين الأورشليميين، ويسميه المقريزى فى خططه «معبد الشاميين»، وكان فى الأصل كنيسة خاصة بالأقباط الملكانيين ثم بيعت لليهود عام 882م وحولوها بدورهم إلى معبد لهم.

ويقع معبد ابن عزرا فى منطقة تسمى حالياً بمجمع الأديان، إذ يقع على مقربة من الكنيسة المعلقة والمتحف القبطى وجامع عمرو بن العاص ويعد هذا المعبد نموذجاً لتعايش الأديان فهو يجمع فى تصميمه وزخارفه بين خصائص وطرز فنية يهودية ومسيحية وإسلامية، أى أنه يعد مجمعًا للأديان الثلاثة.

فتصميم المعبد المعمارى هو التصميم البازيليكى وهو من الطرز المعمارية للكنائس فى مصر بداية من القرن الخامس والسادس الميلادى ويتكون عموماً من صالة كبرى مقسمة إلى ثلاثة أجزاء أكبرها الصالة الوسطى، ويتم التقسيم بواسطة صفين من الأعمدة التى تبدأ من المدخل حتى الحنية الشرقية، والحنايا Apsis عنصر حيوى فى هذا التصميم المعمارى وهو الجزء المعقود نصف الدائرى فى هذا المعبد، وتمثل الحنية الجهة الشرقية دائماً، فهى «القبلة» عند ممارسة الطقوس. ويلاحظ التأثير المعمارى للمعابد الفرعونية الجنائزية فى هذا التصميم، الذى يتميز بالاستقامة المحورية من المدخل حتى قدس الأقداس أو حجرة المقاصير الموجودة فى جهة الشرق، فتلك الحدود المعمارية نجدها واضحة فى المبنى البازيليكى الذى يعتمد على المحور المستقيم من المدخل حتى الهيكل والحنية.

ويشارك الهيكل أو المحراب فى الكنيسة القبطية الحنية فى التكوين المعمارى، ومع ازدياد ضرورات العمل الطقسى ازدادت عدد الحجرات التى وزعت خلف الهيكل وهى حجرات خاصة بالقرابين والكهنوت وغيرها من الأمور الطقسية، ويعلو الهيكل مستوى السطح «أرضية المبنى عموماً» ويفصل عن الصحن بحاجز خشبى مزخرف.

وكنيسة دير سانت كاترين تمثل العمارة الكنيسة بعد القرن السابع الميلادى وتبدو بازيليكا دير سانت كاترين نموذجاً متأخراً من النماذج المعمارية الكنسية المبكرة فى مصر، فالمبنى منفذ على النظام البازيليكى المعدل أو المتطور، فنجد الصالة مقسمة إلى ثلاثة أجزاء بصفين من الأعمدة كل صف به ستة أعمدة، العمودان الأخيران تجاه الشرق قام بينها حامل الأيقونات وهو عبارة عن هيكل خشبى يعرف بالأيقونسطاس، وملامح تكوين الأيقونسطاس بين عمودين من أعمدة الصالة هو تعديل معمارى لخدمة الطقوس الدينية، يلى ذلك الحنية أو قدس الأقداس والذى صور عليه حادث التجلى الشهير للمسيح المصنوعة من الفسيفساء، ولكن نجد أنه نظرًا للخدمة الطقسية المحددة فقد أضيف جناحان أو مجموعة من الحجرات الجانبية تقام داخل جناحى الصالة أو بجوارها، وهى خاصة بالأوانى المقدسة وهياكل لبعض القديسين الأوائل المكرسين بالكنيسة والدير، وبالتالى استغلت تلك المساحات لعمل حواجز حجرية أو خشبية لتكوين هياكل خاصة.

فهذا التصميم الكنسى لمعبد ابن عزرا هو سبب وجود المكنوزات «الجنيزا» فى هذا المعبد وعدم العثور على نظائر لها فى أى من المعابد اليهودية الأخرى المنتشرة فى مصر أو فى مناطق العالم المختلفة، فمن المرجح أن اليهود عندما اشتروا المعبد وجدوا فيه حجرات على جانبى الهيكل فخصصوا إحداها وهى التى تقع على يسار الهيكل لتخزين الأوراق والأدوات المقدسة التى تم الاستغناء عنها.

فمعبد ابن عزرا يتكون من صالة كبرى على شكل مستطيل مقسمة إلى ثلاثة أجزاء بواسطة صفين من الأعمدة عددها اثنا عشر عمودًا من الرخام، ستة أعمدة على كل جانب وهى ذات تيجان متنوعة الزخاف. ويقع المدخل الرئيسى للمعبد فى الجهة الجنوبية الغربية، وتقع الحنية «نصف الدائرية» فى الجهة الشرقية «القبلة».

أما الهيكل فيعلو مستوى السطح «أرضية المعبد» ويصعد إليه بدرج من الرخام، ويفصل عن الصحن بحاجز. ويضم الهيكل تابوتاً للتوراة وهو من الخشب المطعم بحشوات من الصدف والعاج وتمتزج فيها العناصر الزخرفية اليهودية والإسلامية التى تتجلى فى الزخارف الهندسية التى أخذت فى ظل الحضارة الإسلامية أهمية خاصة، ومن أمثلة الأشكال الهندسية التى استعملها الفنان المسلم الدوائر المتماسة والمتجاورة والجدائل والخطوط المنكسرة والمتشابكة بالإضافة إلى أشكال المثلث والمربع والمعين والمنحنى والمسدس والسباعى والثمانى وكثيرات الأضلاع.

ومن أبرز أنواع الزخارف الهندسية التى امتازت بها الفنون الإسلامية الأشكال النجمية متعددة الأضلاع، والتى تشكل ما يسمى «الأطباق النجمية» وقد انتشر هذا النوع من الزخارف فى مصر والشام فى العصر المملوكى وفى العراق فى العصر السلجوقى وامتد إلى المغرب العربى واستخدم فى زخرفة التحف الخشبية والمعدنية وفى الصفحات المذهبة فى المصاحف والكتب وفى زخرفة الأسقف والجدران، كما تتجلى الزخارف الإسلامية فى الوحدات النباتية، وكانت فى أول عهدها مكونة من ورق الأقتنتس المقتبس من فنون الأغريق والبيزنطيين ومن الأزهار المستعارة من النمط الفارسى ثم شاع بعد ذلك استعمال الفروع النباتية على شكل حوايا وتكثر فى زخارف الجدر والأسقف والحشوات الجصية والخشبية» وأعمال الخزف والنسيج والزجاج والمعادن وغيرها.

ولعل أبرز ما أسهم به الأتراك فى مجال الفن هو ذلك الطراز الزخرفى المعروف باسم الطراز الثالث من طرز سامراء، وذلك الطراز الذى تبلورت فيه الاتجاهات الفنية للزخرفة الإسلامية الخالصة من شوائب الاستعارة من الفنون السابقة على الإسلام، الذى نبتت منه «الأرابسك» والكلمة العربية التى ينبغى أن تستعمل بدلًا من هذا اللفظ هو التوريق سواء كانت العناصر الزخرفية نباتية أو كتابية حيوانية أو هندسية، لأنها أقرب فى الدلالة على هذا النوع من الزخرف الذى أبرز ما فيه هو ظاهرة النمو والتكاثر، ولا تزال كلمة توريق مستعملة فى اللغة الأسبانية حتى اليوم للدلالة على هذه الزخرفة.

وتسمى الزخرفة النباتية التى اختص بها الفن العثمانى الزخرفة الرومى وقوام هذه الزخرفة هى الفروع النباتية التى ترسم بطريقة خاصة لا تخضع فى شكلها واتجاهاتها ونموها لنظام الطبيعة ما جعل لها طابعًا خاصًا بها، فزخرفة الرومى ترادف زخرفة التوريق أو الأرابيسك العثمانية.

وقد استخدم فى زخرفة الخشب الحز وهى الحفر غير العميق، وقد يكون الحفر عميقاً، وقد يكون مائلًا وقد يكون بارزًا وطريقة تخريم الزخارف فى الخشب وتكوين عناصر زخرفية بواسطة ثقب الخشب بطريقة معينة، فعلى الرغم من أن المعبد اليهودى يرجع إلى عصور تاريخية قديمة، فإن عمليات الترميم وإعادة البناء التى تمت له سمحت للعناصر الزخرفية العثمانية بالتواجد وما يؤيد ذلك وجود تاريخ صناعة هذه الزخارف على الهيكل وترجع إلى عام 1902م.

ومن العناصر الإسلامية الموجودة فى معبد ابن عزرا الثريا المعلقة على يمين الهيكل وتحمل أسماء الخلفاء الراشدين الأربعة: أبوبكر وعمرو عثمان وعلى باللغة العربية، كما توجد ثريا أخرى مدلاة من السقف من النحاس على شكل مخروط تحمل اسم السلطان المملوكى قلاوون باللغة العربية ومن المرجح أن الثريات قد جلبت من مساجد إسلامية.

أما العناصر الزخرفية اليهودية فى المعبد فتتمثل فى النجمة سداسية الأضلاع، وهى تدخل فى تزيين الجدران وفى تزيين الهيكل وفى تصميم الشمعدان، فالشمعدان من الأدوات المقدسة الأساسية فى المعبد اليهودى وهو يتكون من ستة فروع، ثلاثة على كل جانب يتوسطها النجمة سداسية الأضلاع.

ومن العناصر المعمارية اليهودية التى أضيفت إلى المعبد فى مرحلة لاحقة، تخصيص مكان للنساء فى المعبد عن طريق إقامة سقف خشبى على جانبى القسم الوسط تحمله الأعمدة الاثنا عشر، وتبدو المساحة بين كل عمود وآخر وكأنها شرفة تطل على صالة المعبد والهيكل فى الطابق الأسفل ويصعد النساء إلى المكان المخصص لهم عن طريق درج خشبى من خارج المبنى من الجهة الجنوبية، أما حجرة «الجنيزا» فهى بارتفاع المعبد وتقع فى الجهة الشمالية، وهى حجرة مغلقة بدون أبواب أو نوافذ باستثناء فتحة من أعلى، تحت السقف مباشرة، حيث كانت تلقى من خلالها الكتب والأوراق.

ومن العناصر اليهودية التى أضيفت إلى المعبد، المنصة وهى تتوسط القسم الأوسط من صالة المعبد بين صفى الأعمدة، وهى من الرخام ويصعد إليها بعده درجات، وهى أقل ارتفاعاً من درج الهيكل.

وعلى الرغم من أن المعبد قد هدم وأعيد بناؤه عام 1011م، وعلى الرغم من أنه مر بمراحل ترميم معمارى بعضها ترميمات شاملة وبعضها ترميمات جزئية فإن بناء المعبد لم يتغير شكله ولا طرازه المعمارى القديم، وآخر أعمال الترميم الشاملة ما قامت به بعثة المركز الكندى للعمارة بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار وبالتنسيق مع الطائفة اليهودية بالقاهرة عام 1982م، وقد استغرق الترميم حوالى عشر سنوات وشملت أعمال ترميم معمارى، وترميم دقيق للأثاثات وأدوات المعبد، بعد أن تم تسجيل المعبد فى عداد الآثار وأصبح أثرًا خاضعًا لقانون حماية الآثار المصرية.

أجمعت المصادر اليهودية على أن سلومون شختر هو المكتشف الحقيقى «للجنيزا» فهو أول من أدرك القيمة العلمية والتاريخية لأوراقها، وفى الواقع لم يكن شختر المكتشف الحقيقى فقط بل كان المخطط والمنفذ الحقيقى لعملية نقل «الجنيزا» خارج مصر على الرغم من أنه لم يكن أول من رأى مبنى «الجنيزا»، فقد سبقه إلى ذلك كثيرون ووصفوا مبناها ومحتواها فى كتبهم ومذكراتهم، وهم:

< شمعون="" دى="" جلدرن،="" الذى="" رأى="" مبنى="" «الجنيزا»="" سنة="" 1753م،="" ووصفه="" فى="" مذكراته،="" لكنه="" لم="" يذكر="" شيئًا="" عن="">

< يعقوب="" سفير،="" الذى="" زار="" مصر="" سنة="" 1864م،="" وتمكن="" من="" رؤية="" «الجنيزا»="" بعد="" محاولات="" منه="" لإقناع="" خادم="" المعبد="" والجابى="" بأن="" معه="" تصريحاً="" برؤيتها="" من="" رئيس="" القضاء="" اليهودى،="" وقد="" أخذ="" بعضًا="" من="">

< سلومون="" ورتيمر،="" وقد="" زار="" مصر="" عام="" 1864م،="" ووصف="" مبنى="" «الجنيزا»،="" ونشر="" بعضًا="" من="" وثائقها="" عام="">

وفى عام 1890م وأثناء عملية ترميم وتجديد مبنى المعبد، انهار سقف «الجنيزا» فكشف عما بداخله من مكنوزات طال اختفاؤها، ومنذ ذلك الحين بدأت تتسرب مكنوزات الجنيزا وتذيع شهرتها وتحرص مكتبات العالم المختلفة، العامة منها والخاصة على اقتنائها، ونتيجة لذلك جاء إلى مصر العديد من الوسطاء وتجار العاديات والهواة الذين قاموا بنهب «الجنيزا» وتهريبها إلى الخارج وبيعها إلى مكتبات أوروبا وأمريكا وأشهرهم:

< اليهودى="" القرائى="" أبراهام="" فيركوفيتش="" (1786="" –="" 1874)="" وباع="" معظم="" الأوراق="" التى="" حصل="" عليها="" لمكتبة="" public="" state="" library="" of="" leningrad="" وتعرف="" تلك="" المجموعة="" من="" الأوراق="" باسم="" firkivich's="">

< الأسقف="" الأرثوذكسى="" الروسى="" أنطونين="" الذى="" عاش="" فى="" القدس="" فى="" الفترة="" (1865="" –="" 1894م)="" والمجموعة="" التى="" حصل="" عليها="" تحمل="" اسمه="" وموجودة="" الآن="" فى="" مكتبة="" saltykov="" –="" shchedrin="" state="" public="" library="" of="">

< أرسنوف="" وهو="" وسيط="" روسى="" حصل="" على="" عدة="" مخطوطات="" سنة="" 1896م="" وباعها="" لمكتبة="" institute="" of="" the="" people="" of="" asia="" in="">

< دافيد="" قاوفمان="" من="" بودابست="" حصل="" على="" مجموعة="" كبيرة="" من="" مكنوزات="" «الجنيزا»="" وبعد="" وفاته="" أهدت="" أسرته="" تلك="" المجموعة="" لمكتبة:="" hungarian="" academy="" of="">

< الرحالة="" إلكان="" ناتان="" أدلر="" وزار="" الجنيزا="" عام="" 1888م،="" وعام="" 1896،="" وفى="" المرة="" الأخيرة="" سمح="" له="" القائمون="" على="" المعبد="" بأن="" يأخذ="" ما="" شاء="" من="" مكنوزاتها،="" وقد="" أودع="" مجموعته="" التى="" تعرف="" باسم="" elkan="" n.="" adler's="" collection="" فى="">

‏The Jewish Theological Seminary of America, New York.

أما الاكتشاف الحقيقى «للجنيزا»، فكان فى مارس 1896م، عندما عرضت السيدتان، أجنس لويس ومارجريت جيبسون، على شختر الذى كان يعمل محاضرًا فى جامعة كمبردج، عدة مخطوطات باللغة العبرية حصلتا عليها من بائع عاديات فى القاهرة، فعندما فحص شختر هذه الأوراق المكتوبة بالعبرية تبين أنها صفحات من كتاب الحكمة لابن سيرا الذى يرجع إلى عام 200 ق.م، ولم يكن يوجد من هذا الكتاب سوى النسخة اليونانية فقط. شجع هذا الكشف شختر، وبتأييد ودعم مادى من شارلز تيلور الأستاذ بكلية سان جونز فى كمبردج. سافر شختر للقاهرة فى ديسمبر 1896م، حاملًا خطاب توصية من «إلكان أدلر» للحاخام اليهودى أهرون بن شمعون، ولرئيس الجالية اليهودية فى مصر آنذاك يوسف قطاوى باشا ولذلك يعد شختر هو المخطط والمنفذ الحقيقى لعملية نقل «الجنيزا» وخروجها من أرض مصر بمباركة القائمين على الجالية اليهودية، وبمعاونة سلطات الاحتلال الإنجليزى.

استمر عمل شختر فى القاهرة عدة شهور انتقى خلالها حوالى ألف مخطوطه ووثيقة، والتى رأى من وجهة نظره أنها مهمة أو ذات قيمة تاريخية أو علمية.

ولم يقتصر الأمر على «جنيزا» المعبد فقط، بل امتد ليشمل مقابر اليهود فى البساتين، فقد سمح لشختر بأن يأخذ من تلك «الجنيزات»، أى من «جنيزا» المعبد و«جنيزا» المقابر كل ما أراده، كما صرح بذلك يعقوب موصيرى ابن أخت يوسف قطاوى باشا رئيس الجالية اليهودية فى مصر.

قام شختر بنقل تلك الوثائق فى صناديق إلى كمبردج، وعاونه شارلز تيلور وعرضا تلك المكنوزات على مكتبة جامعة كمبردج بعدة شروط من بينها، أن تحفظ تلك الوثائق والمخطوطات فى مكتبة الجامعة كمجموعة خاصة تحمل اسم «مجموعة تيلور – شختر للجنيزا القاهرية»، وأن ترسل الجامعة خطاب شكر إلى القائمين على الجالية اليهودية فى مصر على موافقتهم على «نقل» المخطوطات إلى إنجلترا!

وبعد ظهور أهمية وثائق ومخطوطات «الجنيزا»، وإدراك قيمتها العلمية، بدأت عمليات الخروج والنهب المنظمة للمخلفات التى تركها شختر سواء فى المعبد أو فى مقابر البساتين فنهب شارلز فرير عام 1908م مجموعة تعرف باسمه مودعة الآن فى: ‏Freer Gallery of Art, Washington.

وقام برنارد شبيرا فى عام 1912م، 1913م بتكليف من Societé des Etudes Juives, Paris، بعمل حفريات فى مقابر اليهود بالبساتين، وساعده فى ذلك يوسف موصيرى، فعثرا على ما يقرب من أربعة آلاف وثيقة ومخطوطة وتعرف باسم «مجموعة موصيرى» نسبة إلى مكان اكتشافها وهو «حوش» عائلة موصيرى فى مقابر اليهود بالبساتين.

ونظرًا لأن عملية التخزين فى «الجنيزا» تمت بطريقة عشوائية، كما أن عملية النهب والخروج من مصر، بدأت بجهود فردية غير منظمة، فقد نتج عن ذلك حالة من الفوضى أدت إلى بعثرة المخطوطات والوثائق، واقتسام أوراقها وصفحاتها بين مكتبات العالم المختلفة الخاصة منها والعامة، وكمثال على تلك الفوضى. توزعت صفحات كتاب الحكمة لابن سيرا بين كمبردج «ضمن مجموعة تيلور – شختر» ونيويورك «ضمن مجموعة ناتان أدلر» وأكسفورد «فى مكتبة البودليان» ولندن «فى المتحف البريطانى»، وباريس فى (Consistoire Israélite).

وقد دفع اكتشاف «الجنيزا القاهرية»، وإدراك الباحثين أهميتها، إلى البحث والتنقيب فى بلدان العالم المختلفة عن نظائر لها، وأسفرت عمليات البحث التى قام بها اليهود عن اكتشاف ست «جنيزات» فى مناطق من العالم وهى:

< «جنيزا»="" المغارة="" القريبة="" من="" أريحا="" وتضم="" مخطوطات="" عبرية="" ويونانية="" للكتاب="">

< «جنيزا»="" المغارة="" القريبة="" من="" القدس،="" ومكنوزاتها="" فى="" حالة="" سيئة="" بسبب="" الرطوبة،="" وترجع="" معظمها="" للعصر="">

< «جنيزا»="" المعبد="" اليهودى="" فى="" طرابلس="" الشرق،="" وهى="" لا="" تضم="" شيئًا="" ذا="">

< «جنيزا="" قاريم»="" على="" مقربة="" من="" دمشق،="" ويرجح="" أن="" اليهود="" قد="" كنزوها="" عام="" 1518م="" وتضم="" عددًا="" كبيرًا="" من="" الكتب="" الممزقة،="" وصفحات="" من="" التلمود="" مكتوبة="" على="" الرق،="" وصفحات="" من="" كتب="" تفاسير،="" وأشعار="" لشعراء="" يهود،="" ومعظم="" تلك="" المكنوزات="" باللغة="" العربية،="">

< «جنيزا»="" لوبلين="" فى="" بولندا،="" وهى="" ترجع="" لعصور="">

< «جنيزا»="" برية="" يهودا="" أو="" وادى="" قمران،="" ويطلق="" عليها="" أيضًا="" لفائف="" البحر="" الميت.="" وهى="" عبارة="" عن="" لفائف="" من="" الرق="" عثر="" عليها="" فى="" مغارات="" قريبة="" من="" البحر="" الميت،="" وهى="" كتابات="" دينية="" خاصة="" بالطائفة="" الأسينية،="" إحدى="" الطوائف="" اليهودية="" التى="" كانت="" تقطن="" فى="" برية="" يهودا="" فى="" القرن="" الثالث="">

وإذا وضعنا «الجنيزا القاهرية» فى الميزان وحاولنا تقييمها عن طريق عقد مقارنة بينها وبين «الجنيزات» التى اكتشفت، نجد أن «الجنيزا القاهرية» تجمع بين خصائص ومزايا نادرة لم تجتمع فى الأخريات، فهى تحوى بالإضافة إلى الكتب الدينية من توراة وأنبياء ومكتوبات، ومشنا وتلمود، وكتب التفاسير والكتب الدينية المترجمة إلى العربية أو الآرامية أو اليونانية، تحوى «الجنيزا القاهرية» وثائق متنوعة عبارة عن خطابات شخصية ورسمية وقوائم حسابات، وإيجارات دور وحوانيت، وأثمان سلع ومتاجر مختلفة، وسجلات قضائية، وإيصالات وعقود إيجار، وعقود بيع وشراء، وزواج وطلاق، وإبراء وفسخ، ورهن وقرض ومشاركة واستبدال، ووصايا وهبات وتبرعات، وعتق، وفتاوى فقهية، ودعوات إلى احتفالات أو مناسبات مختلفة، وأنشطة لجمعيات يهودية مختلفة، وإعلانات وشكاوى والتماسات، ووصفات علاجية طبية، وسحر وتعاويذ وتمائم، وقوائم بجهاز العروس.

وتضم «الجنيزا القاهرية» أيضًا مؤلفات أدبية وعلمية، تحاكى المؤلفات الإسلامية فى مجالات الفلسفة والطب، وتفسير الأحلام والتنجيم والفلك، كما تضم أشعاراً لشعراء يهود من بلاد العالم الإسلامى المختلفة.

ونظرًا لارتفاع أسعار الورق فى العصر الوسيط، فقد حرص اليهود على الاستفادة من الفراغ الموجود فى الوثائق التى انتهت صلاحياتها أو فى الخطابات الشخصية التى استغنى عنها، فكان يجرب القلم أو نوع الحبر فى تلك المساحات الخالية أو يكتب فيها حساباته «الدخل والمنصرف»، ويبدو أن هذا هو سبب احتواء «الجنيزا القاهرية» على وثائق صادرة من وإلى المصالح والدواوين الحكومية، كخطابات التوظيف، أو توصيات، أو أحكام قضائية أو التماسات، فيبدو أن اليهود قد حصلوا على هذه الوثائق بعد استغناء الدواوين الحكومية عنها، بغرض استخدام الفراغات الموجودة فى صفحاتها أو فى ظهورها فى أمورهم الخاصة.

وهنا تبرز أهمية «الجنيزا القاهرية» لدراسة التاريخ الاقتصادى والاجتماعى والثقافى، لا فى مصر وحدها بل فى جميع بلدان العالم الإسلامى فى العصر الوسيط، باعتبارها قلب هذا العالم وتتمثل فيها جميع أحواله، فهى تمدنا بمعلومات عن أنواع المتاجر وأثمانها وأسعار الأراضى والمنازل، وكيفية كتابة العقود بمختلف أنواعها، وقوائم جهاز العروس، وقيم الإيجارات، ونفقات المعيشة، وأسعار الصرف بين الدينار الذهب، والدرهم الفضة وأثاث المنزل، أى ما به من فرش وأوان من الفضة أو النحاس، وزى المرأة فى هذا العصر وما تتحلى به من حلى.. و«الجنيزا» بذلك تكمل الفراغ الذى تركه مؤرخو العصر الوسيط، فقد اكتفوا بذكر تواريخ الخلفاء والسلاطين والأمراء والحكام وأخبار المعارك والحروب، ولم يتعرضوا للحديث عن حياة عامة الناس سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية إلا بصورة عابرة.

وإذا تأملنا تلك المزايا والخصائص التى انفردت بها «الجنيزا القاهرية» والتى بهرت بها العالم، وخطفت الأبصار، وحاولنا إزاحة النقاب والكشف عن السر الكامن وراء هذا التفرد والتميز، لوجدنا عبقرية المكان. فمصر «متوسطة الدنيا» والقاهرة وسط الوسط، ولولا هذا الموقع ما كانت مصر محورًا ومركزًا لتجارة العالم الإسلامى، ولما قدم اليهود واستقروا فيها بتلك الأعداد الكبيرة. ولولا هذا الموقع لما حفظت لنا «الجنيزا» رسائل تتعلق بأعمال تجارية صادرة من تونس وصقلية أو المغرب، ولما حوت خطابات صادرة من القدس وموانئ سوريا ولبنان ومن دمشق وحلب.

ولولا موقع مصر ما انفردت «الجنيزا» بوجود الفتاوى الصادرة من بابل إلى ممالك شمال أفريقيا والأندلس وإيطاليا وفرنسا، ويبدو أن تلك الفتاوى كان يتم نسخها فى القاهرة فى طريق عودتها.

ولولا جفاف مناخ مصر، وجمعها بين المتناقضة الفذة كما يقول د. جمال حمدان ماء بلا مطر، وحياة رغم الجفاف. والقاهرة كرمز لهذه المتناقضة: فهى أكبر مدينة صحراوية فى العالم، على أكبر نهر فى الدنيا، ولولا هذا الجفاف ما بقيت «الجنيزا القاهرية» التى يشكل الورق عماد مادتها، بتلك الحالة الجيدة التى هى عليها على مدى تسعة قرون، ولا يضاهيها فى تلك الميزة إلا لفائف البحر الميت، التى ما احتفظت بحالتها، وما تمتعت بتلك الميزة إلا لاستخدام الورق كمادة لمكنوزاتها.

ولولا اعتدال الشخصية المصرية، وتطبيقها العلمى الذى يتمثل فى عدم كراهية المصريين للأجانب، وعدم التعصب للجنس أو اللون، ولولا النزعة الدينية العميقة والأصيلة التى جعلت مصر تقبل الديانات التوحيدية الثلاث وتتعايش معًا على أرضها دون تعصب، لولا هذا ما «تمصر» اليهود، ومن ثم تميزت وثائق «الجنيزا» بأنها مصرية، تعبر عن نبض الحياة فى مصر فى ذلك العصر، بكل ما تعنيه هذه الكلمات من معان.

فمصر لم تمنح «الجنيزا» النسب فحسب بل منحتها وورثتها أولا وقبل كل شىء الاستمرارية والبقاء والاعتدال، وهى الصفة المشتركة بين كل جوانب الشخصية المصرية. ومن هنا استحقت تلك «الجنيزا» وبجدارة أن تنسب للقاهرة، ويطلق عليها بحق «الجنيزا القاهرية».

 

ليلى إبراهيم أبوالمجد

أستاذ الدراسات التلمودية والأدب العبرى الوسيط

كلية الآداب – جامعة عين شمس

 

مراجع يمكن الرجوع إليها:

1- الوثائق اليهودية فى مصر فى العصر الوسيط «الجنيزا القاهرية»، دراسة لغوية، رسالة دكتوراه غير منشورة مقدمة من ليلى إبراهيم أبوالمجد كلية الآداب – جامعة عين شمس 1987م.

2- الجنيزا والمعابد اليهودية فى مصر، أ. د. محمد خليفة حسن، أ. النبوى جبر سراج، مركز الدراسات الشرقية، جامعة القاهرة 1999م.

3- الوحدات الزخرفية الإسلامية، د. أسامة النحاس، منشأة المعارف الإسكندرية.

4- الفنون الزخرفية الإسلامية فى العصر العثمانى، د. محمد عبدالعزيز مرزوق، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1987م.

5- الآثار والفنون القبطية، د. عزت زكى قادوس، د. محمد عبدالفتاح السيد، الطبعة الأولى الإسكندرية، 2000م.

 

وثائق الجنيزا القاهرية بالعربية والعبرية