عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أحوالنا

هما فى الواقع يومان تاريخيان حتى وإن اجتمعا فى يوم واحد. إنهما الخامس من يونيو والعاشر من رمضان. والفارق بين اليومين تعجز مفردات اللغة، أى لغة، عن وصفه، ليس بالدقة المطلوبة، ولكن حتى باستخدام الخيال وقوة التخيل لتقريب المسافة الفاصلة بينهما، فإن كل الجهود سوف تتبدد وتذهب سدى. فالفارق بينهما مثل الفارق بين الليل والنهار، بين الحقيقة والبهتان، بين الصدق والكذب، بين النصر والهزيمة. فالخامس من يونيو جاء كالصاعقة المدمرة التى عصفت بأحلام جيل كامل من المصريين كانوا يحلقون فى سماوات المجد فى ظل قيادة جمال عبدالناصر التاريخية، فإذا بأحلامهم تتحطم بقسوة على صخرة واقع الهزيمة المر. ولَم تفلح المحاولات المتكررة للتخفيف من وقع ما حدث كإطلاق وصف النكسة بدلاً من الهزيمة على ما جرى فى ذلك اليوم الحزين من عام ١٩٦٧.

وعلى العكس من ذلك جاء يوم العاشر من رمضان الموافق السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣ كزلزال هادر جرف فى طريقه عار الهزيمة النكراء، وأعاد الكرامة المهدرة بعد أن عبرت قواتنا المسلحة أخطر العوائق المادية التى كانت توصف بأنها المستحيل بعينه، وجرفت معها العوائق النفسية التى كانت تصور العدو بالجيش الذى لا يقهر. وظهر فى ذلك اليوم المعدن الحقيقى للمقاتل المصرى، الذى صال وجال فى أرض المعركة وقدم حلولاً مبتكرة لكل الصعاب التى واجهها مثل عقبة الساتر الترابى الذى أقامه العدو فوق رمال سيناء على طول جبهة القتال. فكانت مفاجأة استخدام خراطيم المياه لفتح ثغرات فى هذا الساتر انطلقت منها القوات المصرية بأسلحتها وعتادها منهية بذلك أسطورة خط بارليف المنيع. والحقيقة أن الفارق بين اليومين الخامس من يونيو والعاشر من رمضان أكبر بكثير وأعمق من الفاصل الزمنى الفارق بينهما. فبحساب الزمن يفصل بين الحدثين ست سنوات وثلث السنة، ولكن بحساب التأثير النفسى على أبناء الشعب المصرى الذين عاشوا فترة الانتظار الرهيب للثأر مما جرى فى يونيو نجد أن تلك السنوات والشهور مرت كقرون ثقيلة الوطأة بليدة الحركة. كان الجميع يتعجلون القيادة لاتخاذ قرار العبور، ولكن قرارات الحرب لا تتخذ وفقاً للعواطف والأهواء. وحين جاء يوم الخلاص الموعود، كان اليوم التاريخى السادس من أكتوبر العاشر من رمضان.

وإذا كنّا نحتفى بالعاشر من رمضان فى كل عام يوماً للنصر، فإن ذلك لا يجعلنا ننسى الوقوف عند الخامس من يونيو كى نتدارس ما جرى، نمعن النظر فى أسباب الهزيمة ونعمل على تجنبها، ليس فقط فى النواحى العسكرية ولكن فى كل مناحى الحياة. من الدروس المستفادة إعلاء قيمة العلم. فقبل يونيو ٦٧، لم يكن هناك وجود يذكر للجنود الحاصلين على تعليم جامعي، وهو عكس الوضع السائد فى عام ٧٣، كما أن الجيش المصرى فى عام ٧٣ وبعدها كان جيشاً احترافياً وبالتالى فإن قياداته على كل المستويات كانت من عناصر محترفة دارسة لفنون القتال وعلى علم ودراية بأحدث نظريات القتال والحروب، مما شكل الفارق بينها وبين قيادات ٦٧ التى توقفت معارفها عند معلومات الحرب العالمية الأولى.

وإذا كان العلم والاحتراف أموراً مهمة فى النواحى العسكرية، فإنها أيضاً أمور بالغة الأهمية فى النواحى المدنية لأى دولة تريد التقدم وتحقيق التنمية المستدامة. فوضع الإنسان المناسب فى المكان المناسب علمياً ووظيفياً وسياسياً شرط مهم من شروط التقدم لأى أمة من الأمم. وبخلاف ذلك تسود العشوائية التى تؤدى، إلى الخراب. فوضع الإنسان غير المؤهل فى أى موقع يشبه تماماً تولى الضابط غير المؤهل أمر القيادة فى ميدان المعركة. النتيجة هى بلا شك عشوائية الحركة وتخبط القرارات. حدث ذلك فى ٦٧ على أرض المعركة. ولكن قواتنا المسلحة وعت الدرس وتغيرت أحوالها تماماً فى ٧٣ وما بعدها. ونرجو أن تسود هذه القيم كل جوانب حياتنا، ويومها تتغير أحوالنا إلى الأفضل.